“القانون يطبق على الدراويش” فكيف يعمل مراقب التموين؟مخالفــــات بحـــق عمــال أراكيــل ونصف الدعاوى للتلاعب بالمواصفــات والمـــواد المدعومــة!
دمشق – ريم ربيع
بات الحديث اليوم عن رقابة المنتجات في الأسواق أمراً “شبه مستحيل” حسب منظور البعض، ففي ظل العشوائية وغلاء الأسعار واحتكار المواد على أهواء شريحة من التجار لم يعد الأمر يحتمل “رفاهية” التجارب أو التصريحات الاستهلاكية هنا وهناك، وفي الوقت الذي يتطلب ضبط السوق كل ما أمكن من الحزم و”الفعل لا القول” ما تزال الجهات المعنية بهذا الأمر مشغولة بلوم بعضها البعض سواء التجار أو الضابطة العدلية أو جمعيات حماية المستهلك، ومع وجود إشارات استفهام عديدة حول آلية عمل مراقبي التموين والشريحة التي يتوجهون لها، تؤكد جهات قضائية أن من يسجل بحقهم ضبوط المخالفات هم “الدراويش” فقط، ولا أثر لكبار التجار في المحاكم، فما هي الآلية الفعلية لعمل الضابطة العدلية.؟
مضيعة وقت.!
رئيس محكمة استئناف جنح الجزاء المختصة بالدعاوى التموينية القاضي المستشار فؤاد علوش بيّن أن معظم الشرائح الواردة للمحكمة من فئة دون الوسطى، ويندر الاقتراب من المنتجين من قبل الضابطة العدلية، حيث تسجل مخالفات بعض المنشآت الكبيرة بحق عمالها وتسجل مخالفات المطاعم باسم عامل الأراكيل..! مضيفاً: “لم نرَ في المحكمة أياً من التجار الكبار إلا فيما ندر، فهل يقتصر واجب الضابطة العدلية على تنظيم الضبوط وحسب حتى إن كانت خالية المضمون”، ويضاف إليها شكاوى باعة المفرق من الضبوط بحقهم لبيع مواد مخالفة دون أن تسأل الضابطة عن مصدر هذه المواد أو المنشأة المسؤولة عن إنتاجها، فيتحمل البائع كامل اللوم. بدورهم رأى كل من القاضي المستشار محمد حجازي والقاضي المستشار ميادة كوش أن بعض الضبوط مضيعة وقت للمحاكم حيث تسجل باسم أي عامل، ولدى إثباته ذلك يعاد تحريك الادعاء على صاحب العمل.. فلماذا لا يتم تسجيلها أساساً على صاحب العمل، ويوفَّر الكثير من الوقت والجهد على المحكمة لجهالة كتاب الضبط في بعض الأحيان! ولماذا تسجل ضبوط بحق بائع خضار يزيد 5 ليرات بالسعر، وينجو أصحاب المطاعم التي تزيد عشرات الآلاف، خاصةً وأنه منذ أكثر من عام لم يرد للمحكمة أي ضبط بسبب زيادة أسعار مطعم ما، والرقابة على المطاعم الشعبية شبه غائبة.
وأضاف علوش أنه في حال كشف تزوير في الضبط تحال الأوراق للنيابة العامة بجرم إساءة استخدام الوظيفة العامة، إلا أنها حالة نادرة عموماً، أما نسبة من تثبت عدم مسؤوليتهم فهي حوالي 3% من مجمل الدعاوى، وفي حال ثبت عدم المسؤولية تودع الأوراق في النيابة العامة لملاحقة صاحب المنشأة، مشيراً إلى أن الكثير من العمال طردوا من عملهم بعد تسجيل ضبوط باسمهم.
سرعة الحسم
ويتلقى القضاء أغلبية الضبوط من قبل دائرة حماية المستهلك تنظمها الضابطة العدلية حول الجرائم المتعلقة بالمواد غذائية والمواصفات والسلامة الغذائية والسلامة الصحية، وتصدر الأحكام مبرمة غير قابلة لطرق الطعن العادية، فيما تتسم الدعاوى التموينية بسرعة الإجراءات، والحسم فيها لا يتجاوز الشهرين، أما بالنسبة للعقوبات التي أكد البعض على ضرورة تشديدها رآها علوش جيدة؛ إذ يغرم من يحتكر مواد بقيمة تقل عن 500 ألف ليرة بالحبس لمدة سنة وغرامة مليون ليرة، أما إن زادت قيمتها عن 500 ألف ليرة فينقلب الجرم لجنائي وتطبق عليه أحكام العقوبات الاقتصادية رقم 3، وأشار علوش إلى عدد من العقوبات الواردة في قانون حماية المستهلك 14/2015، إذ يعاقب كل من خدع المتعاقد بأي طريقة “الغش” بطبيعة البضاعة أو صفاتها بمدة لا تقل عن 3 أشهر وغرامة مالية 100-300 ألف ليرة، وفي حال استعمال مقاييس مزيفة تشدد العقوبات لـ6 أشهر وغرامة 300-600 ألف ليرة، وفي حال مخالفة المواصفات المعتمدة من قبل هيئة المواصفات والمقاييس تكون العقوبة 6 أشهر و250 ألفاً، وإن شكلت المواد ضرراً على صحة الإنسان تشدد العقوبة لما لا يقل عن سنة وغرامة 500 ألف ليرة. لافتاً في الوقت ذاته إلى تشكيل لجنة لتعديل قانون التموين.
ليس للتباهي..
ورغم تأييد بعض الجهات في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لعودة الدعاوى التموينية للقضاء العسكري رأى علوش أن إحداث محاكم التموين بموجب المرسوم 9/2013 وعودتها للقضاء العادي كان أمراً طبيعياً؛ نظراً لكون نقلها إلى القضاء العسكري جاء في حالة استثنائية، وكان لا بد من عودة هذا النمط من الدعاوى لمكانه الطبيعي، مضيفاً: لا أرى سبباً مقنعاً للعودة إلى ما كانت الحال عليه خاصة، وأن العقوبات رادعة و”قاسية” حسب وصفه، وتحقق عوائد مالية كبيرة لخزينة الدولة؛ حيث يحكم وسطياً بـ 15-20 مليوناً شهرياً. وتقدر المبالغ التي حكم فيها عن شهر 12 لعام 2018 حوالي 18.5 مليون ليرة، ولشهر شباط 2019 حوالي 12.5 مليون ليرة، وشدد علوش أن الكشف عن هذه الأرقام “ليس للتباهي..!” وإنما للتأكيد على جدوى فصل الدعاوى وتشديد الرقابة على السوق.
غياب الشكوى
كما عول علوش على وعي المواطن ونشر الثقافة القانونية وتعزيز ثقافة الشكوى “المتواضعة” حالياً حتى لا يقع ضحية المحتكرين، ويشجع التاجر على المزيد من الطمع، مؤكداً أنه يجب عدم الثقة بما يسمى “كفالة محل” إذ يستخدمها التجار للنصب والاحتيال. وبلغ عدد الدعاوى الواردة إلى محكمة الاستئناف في 2018 حوالي 1660 دعوى أنجز منها 1464 دعوى، وأنجز خلال الثلث الأول من 2019 أكثر من 453 دعوى، وربع الدعاوى -حسب علوش- يتعلق بالتلاعب بأسعار المواد المدعومة، ومثلها للتلاعب بالمواصفات، بينما تتراوح باقي الدعاوى بين الغش ورفع الأسعار وغيرها..