تحقيقاتصحيفة البعث

على خطوط الإنتاج عمال السويداء.. إصرار على العمل ومتابعة العطاء وعزيمة تكسر التحديات

عمال السويداء الذين كانوا مع أبناء الطبقة العاملة الرديف الحقيقي للجيش العربي السوري لم تثنهم قساوة وشراسة الهجمة عن الثبات خلف خطوط الإنتاج، وفي معاملهم ومؤسساتهم، فلم تتوقف آلاتهم عن العمل، ولم يكسر الإرهاب إرادتهم، بل كانوا صناع الحياة الذين دافعوا عن بلدهم، واستمروا في العطاء والتضحية والإنتاج، وها هم في عيدهم (عيد العمال العالمي) يؤكدون أنهم الجند الأوفياء لبلدهم، ولن يتوانوا عن بذل الغالي والنفيس في سبيل سيادة بلدهم، وانتصاره على الإرهاب.

البعث زارت العديد من مواقع العمل والإنتاج في السويداء التي كانت نابضة بالوطنية، والشعور العالي بالمسؤولية، وهي حالة عامة ومشتركة بين جميع العمال الذين كان حديثهم عن مشكلاتهم يترافق دائماً بعبارة: (عندما تتحسن الظروف)، فاستمعنا ورصدنا واقع العمل، والمطالب العمالية، والتحديات التي تواجه المسيرة الإنتاجية، وأهمها نقص العمالة، والاعتماد على العمال المؤقتين، وقدم الآلات، وضعف نظام الحوافز والمكافآت.

عزيمة وإصرار

وفي معمل الأحذية كانت وقفتنا، حيث استطاع العمال نقله من معمل خاسر إلى معمل حقق أرباحاً صافية العام الماضي تزيد عن 200 مليون ليرة سورية، رغم المعوقات والصعوبات، وذلك كله مبني على عزيمة وإصرار العمال فيه.

طبعاً مجرد وجود العامل في تلك البيئة القاسية يجعل كافة مطالبه محقة، حيث أصبحت المواد الكيميائية، وغبار الآلات وقدمها الهواء الذي يستنشقه العمال، وصوت ماكينة الخياطة وآلة القص الموسيقا الوحيدة التي يسمعونها طيلة اليوم، تقول رفيقة الجبر، وهي العاملة بالمعمل منذ 24 عاماً: إن “ماكينة الخياطة باتت رفيقتها تقضي معها ساعات طويلة يومياً من السابعة صباحاً حتى الثالثة ظهرا”، مشيرة إلى أن نقص العمالة يحمّلها والعمال الآخرين أعباء وجهوداً إضافية لا تتناسب مع حوافزهم القليلة في هذا القطاع الإنتاجي، وما يتعرّضون له من مخاطر صحية، يرافقها غياب الضمان الصحي.

مطالب رفيقة أكدتها هنادي معروف التي تعمل في المعمل منذ عام 2006 بعقد “مياومة”، إضافة لنحو 12 آخرين، ومطلبهم الأساسي “تثبيتهم” لتتاح لهم الاستفادة من بعض الخدمات المتعلقة بالتأمينات، والكساء، والوجبة الغذائية، والوصفات الطبية، رغم ضعف قيمتها.

ويرى العامل ضمن قسم التركيب حسين الصفدي بعد ست سنوات على انتقاله للمعمل أن قدم الآلات، وكثرة أعطالها، وعدم توفر القطع التبديلية يترك أثره على واقع العمل، ويشكّل عبئاً على العمل.

الصعوبات تطال كافة أقسام العمل، حيث يبيّن الفني العامل بالمعمل منذ خمس سنوات عامر عمار أن العمال الفنيين المعينين بعد عام 1986 لا يتقاضون تعويض الاختصاص، وعددهم قليل، ويتكبدون معاناة متكررة لإصلاح قطع الغيار، وترميم الآلات التي تتعرّض لأعطال مستمرة.

المطالب المحقة أيدتها رئيسة اللجنة النقابية بالمعمل منى المعاز التي دعت لإعادة النظر بنظام الحوافز من قبل الشركة العامة لصناعة الأحذية ليناسب الوضع الحالي للعمال، وتخصيص نسب من أرباح المعمل لصالحهم، وتشميلهم بالمهن الخطرة، والضمان الصحي، خاصة مع تعرّض العديد منهم لأمراض تنفسية خطرة.

 

مهن شاقة

قد لا تكون من باب المصادفة إصابة العديد من العمال بأمراض مزمنة وخطيرة، فالمواد الكيميائية التي يتعرّضون لها كفيلة بخلق مثل هذا النوع من الأمراض، خاصة عند العمال كبار السن التي لا تتحمّل مناعة أجسادهم مقاومة خطورة البيئة التي يعملون بها، وهنا يبرز مطلب هام، كما يقول رئيس مكتب الصناعات الخفيفة والنفط في اتحاد عمال السويداء ثائر عزام، وهو تشميل جميع العمال في الأعمال الخطرة والشاقة، مؤكداً أنه جرت المطالبة بذلك التشميل من اتحاد عمال السويداء، كان آخرها تسطير كتاب بتاريخ 18/2/2019 إلى مديرية التأمينات الاجتماعية والعمل في السويداء، والذي جاء بناء على كتاب اللجنة النقابية في معمل ريان بلاست من القطاع الخاص المتضمن تعاملهم بمواد كيميائية خطرة في عملية التصنيع، ما أدى إلى إصابات عديدة بأمراض خطيرة وسرطانية، وحدوث عدة وفيات.

وأشار عزام إلى أن التشميل بالأعمال الخطرة ليس الإشكالية الوحيدة التي يعاني منها العمال، رغم أنها الأهم، فهناك الحوافز الإنتاجية المتدنية التي لا تتناسب مع المجهود الذي يبذله العمال، خاصة أن الآلات تعاني من القدم، ومن نسبة الاهتلاكات المرتفعة، فضلاً عن أن المعمل يعاني من نقص شديد باليد العاملة، ولاسيما الذكور، ما انعكس سلباً على الإنتاج، علماً أن المعمل بحاجة لعمال ذكور نظراً لطبيعة العمل التي تتطلب ذلك، لافتاً إلى أنه تم وضع جميع تلك الإشكاليات أمام وزير الصناعة في زيارته الأخيرة إلى معمل الأحذية في السويداء.

وأكد عزام أن مطالب عمال المعمل محقة، وخاصة مع حجم العمل الذي يقومون به في المعمل، مع وجود  158 عاملاً وعاملة فقط، موضحاً أن نقص اليد العاملة تتم معالجته مبدئياً بعد المطالبة بفائض الناجحين بالمسابقة، إضافة إلى عشرة عقود خبرة.

مطالب عمالية

نحو 25 ألف عامل في السويداء يقوم على أكتافهم كامل العملية الإنتاجية خلف خطوط النار في الأفران، وعلى الأنوال في معمل السجاد، وخلف الآلات في الشركة السورية لتصنيع العنب، ومع المواطنين في القرى، يقومون بأعمال النظافة، وعلى أعمدة الكهرباء، وفي آبار المياه، وغيرها الكثير من مواقع العمل والجبهات التي ينتشرون بها غير آبهين بالمخاطر والظروف الصعبة، وهدفهم تأمين الخدمة للمواطنين، فكانوا أوفياء بكل معنى الكلمة، فهم جنود مجهولون وقفوا بكل صبر واحتمال رغم كل الظروف المعيشية الصعبة، واستمروا بالعمل رغم كل المعوقات والصعوبات التي لا تحتمل في كثير من تفاصيلها.

حلول سريعة

جمال الحجلي، رئيس اتحاد عمال السويداء،  بيّن مجموعة مطالب تحتاج إلى حلول سريعة أهمها نقص العمالة، حيث تحتاج مواقع الإنتاج في السويداء إلى أكثر من ألفي عامل إضافي، مبيّناً أن تدهور الواقع الاقتصادي لأصحاب الدخل المحدود يحمل مؤشرات سلبية ترهق العمال، ولها مفاعيل خطيرة على المجتمع، وارتفاع الأسعار والغلاء يسحق راتب العامل، والحالة في تزايد شبه يومي خطير ومؤذ، وطالب بتدخل إيجابي حقيقي لضبط الأسعار، وما تم لم يف بالغرض، وبقيت الوسائل عاجزة عن مساعدة العمال، وبيّن الحجلي أن اختلال التوازن بين الأجور والأسعار والفجوة بينهما سبّب عدم الاستقرار النفسي، وعدم الارتباط العضوي للعامل بعمله، وبسبب هذا الاختلال يضطر العامل خارج أوقات الدوام وخلال راحته أن يوزع جهده إلى أكثر من عمل، الأمر الذي سبب دوراناً سريعاً في قوة العمل، وانخفاض الإنتاجية، وزيادة الإنفاق على التأهيل والتدريب، وتوزيع جهد العاملين إلى أعمال إضافية، مشيراً إلى أهمية زيادة الدخل عن طريق زيادة موارد المصادر المتاحة.

ومن المطالب التي يطرحها اتحاد العمال بشكل دائم تعديل قانون العاملين الأساسي، وإعطاء طبيعة العمل ميزات خاصة بالتوصيف الوظيفي، وتأمين النقل الجماعي لكافة العاملين، حيث تمتص أجور النقل أكثر من نصف الراتب في بعض الحالات، وإعادة النظر بالتأمين الصحي، وتوسيع خدماته، وإعادة النظر بسعر المحروقات، وخاصة مادة المازوت، وكذلك ملء الملاك العددي لمؤسسات الخدمة، رغم أن هذا الملاك عمره 30 عاماً، ولا يراعي التطور الحاصل في طبيعة عمل هذه المؤسسات، ومع ذلك هناك نقص في هذا الملاك، وهذا ينعكس سلباً على العمال الحاليين الذين يبذلون جهوداً مضاعفة، مثال ذلك مركز العمران في ناحية المشنف الذي يوجد فيه موظف واحد يقوم بكافة المهام الإدارية، والمالية، والقانونية، ومطلوب منه تقديم خدمات للمنطقة الشرقية كاملة من محافظة السويداء، وحالة مشابهة في مركز القريا الذي انخفض فيه عدد العمال من 8  إلى موظفتين.

آلام وآمال

معوقات وصعوبات وتحديات، وبالمقابل إصرار على العمل، والعطاء، والحفاظ على المكتسبات التي تحققت منذ عشرات السنين للطبقة العاملة، فالاحتفال اليوم بعيدها لم يكن لولا جهودهم، وتضحياتهم، وعرق جبينهم الذي امتزج مع لقمة عيشهم، ورغم الواقع المعيشي الصعب، وظروف العمل القاسية، إلا أن عمال السويداء مازالوا خلف خطوط الإنتاج يؤدون رسالتهم على أكمل وجه بدافع الواجب لمتابعة العمل والإنتاج رغم كل الظروف، ويبقى الأمل في سن تشريعات وقوانين، واتخاذ قرارات تنصف تلك الطبقة، وتعطيها جزءاً من حقها في عيش حياة تقترب من حدود الرفاهية الدنيا، أو تخرج من دائرة الفقر كحد أدنى.

رفعت الديك