كيف دعمت “السي آي إيه” الإرهابيين في سورية؟
ترجمة: هيفاء علي
عن موقع ريزو انترناسيونال 29/4/2019
بات معروفاً للقاصي والداني الدعم الكبير بأشكاله كافة للمجموعات والتنظيمات الإرهابية بمختلف مسمياتها في سورية، بالتنسيق التام مع تركيا أردوغان والسعودية والإمارات وقطر، والهدف تغيير نظام الحكم في سورية والإتيان بإيديولوجية التطرف التي تكفّر الآخر وكل من لا يعلن الولاء لها إلى سدة الحكم.
قدّمت دراسة مفصلة نشرت يوم 17 نيسان الفائت على بوابة “غلوبال جيو نيوز” للصحفي الفرنسي ماكسيم تشيز، مؤلف كتاب “حرب الظل في سورية” معلومات مهمّة عن أصول الدور الكبير للولايات المتحدة في الحرب ضد الدولة السورية. حيث إن “Timber Sycamore” هو الاسم الرمزي لعملية سرية وقع عليها الرئيس باراك أوباما رسمياً في تموز 2013 لتدريب المتمردين وتجهيزهم ضد نظام الحكم السوري، إلا أن هذا “الدعم” بدأ فعلياً في تشرين الأول 2011، عندما كانت وكالة المخابرات المركزية تعمل من خلال جهاز الاستخبارات (MI6) لتفادي الاضطرار لإبلاغ الكونغرس بأنها كانت تسلّح الإرهابيين المتطرفين في سورية. في الأساس، أنشأت وكالة الاستخبارات المركزية، وMI6 شبكة كبيرة لتزويد الإرهابيين السوريين بالأسلحة من ليبيا، وهي خطة شملت أجهزة المخابرات السعودية والقطرية والتركية.
في ربيع عام 2012، وقع أوباما على مضض مرسوماً تنفيذياً سرياً للغاية يسمح لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتقديم “دعم غير فتاك” للمتمردين في سورية. عملياً، ما فعلته السي آي إيه هو ربط حلفائها، قطر والسعودية، بعدد من مصنّعي الأسلحة في البلقان (بلغاريا، رومانيا، صربيا، كرواتيا) بدعم من حلف الناتو الذي يسيطر على صادرات البلقان من الأسلحة، فيما بدأت الأجهزة السرية في قطر والسعودية بشراء الأسلحة والذخيرة من هذه البلدان من أجل تجهيز وتسليح الإرهابيين السوريين والمرتزقة الأجانب بشكل غير قانوني.
في تشرين الأول 2012، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن تجارة الأسلحة الضخمة التي ترعاها وكالة المخابرات المركزية تدعم بشكل أساسي الجماعات الجهادية في سورية، في حين أن صادرات الأسلحة عن طريق الجو كانت في ارتفاع مذهل مع إدخال الأسلحة إلى الأراضي السورية عبر “مسارح العمليات” في تركيا والأردن، وذلك بمساعدة ما يُسمّى “الجيش السوري الحر” وتجار الأسلحة المحليين. أخيراً، اتضح أن “مسارح العمليات” هذه تضمّ خمسة عشر جهازاً استخباراتياً من الغرب والشرق الأوسط، بما في ذلك الإدارة العامة للأمن الخارجي، وMI6، لكن لم يتضح بعد الدور الذي لعبته هذه الوكالات في هذه الحرب السرية.
ما هو واضح أن عشرات الآلاف من أطنان الأسلحة وملايين طلقات الذخيرة أُدخلت في سيناريو الحرب السورية من خلال هذه العملية. وقد ثبت أيضاً أن هذه الأسلحة كانت موجّهة لتجهيز مجموعات جهادية مختلفة من ضمنها تنظيم “داعش” في حزيران 2014.
أخيراً، قرّر دونالد ترامب إلغاء هذه العملية في أوائل صيف 2017 ما شكّل نكسة كبيرة لوكالة الاستخبارات المركزية، حيث توقع هزيمة مدوية للولايات المتحدة في الحرب ضد سورية. تمّ تأكيد الدور التنسيقي للوكالة في حزيران 2018 من قبل بن رودس، كبير مستشاري أوباما من 2009 إلى 2017، الذي أكد أن إدراج “النصرة” في قائمة المنظمات الإرهابية من قبل وزارة الخارجية في كانون الأول 2012 لم يكن سوى حركة “مناورة”، لأنه من الواضح أن الميليشيات الجهادية كانت “عنصراً مهماً” في المعارضة المناهضة للحكومة السورية.
ووفقاً للصحفي مهدي حسن، فقد لعبت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية دوراً تنسيقياً في تجارة الأسلحة الواسعة هذه، وكانت مشاركة الولايات المتحدة في الحرب الموازية أكبر بكثير مما كان يُعتقد سابقاً. فيما أشارت صحيفة “واشنطن بوست” إلى أنها واحدة من “أكبر العمليات السرية” في تاريخ وكالة المخابرات المركزية. وفي كانون الثاني 2016 أكدت صحيفة “نيويورك تايمز” ذلك بالإشارة إلى أن مناورات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية للإطاحة بالحكومة السورية، كانت جزءاً من حملة متعدّدة الجنسيات شملت مليارات الدولارات النفطية من دول الخليج، ومن السعودية على وجه الخصوص. هذه الحرب السرية التي بدأت من عام 2011 حتى عام 2017، أظهرت التعاون الوثيق بين الأجهزة السرية الغربية ونظرائها في تركيا والشرق الأوسط.
لقد ارتكب العديد من الخبراء والصحفيين الغربيين أخطاء فادحة في تحليل العمليات الخاصة بمختلف قوى الشرق الأوسط، بعزلها عن تلك التي تقوم بها الحكومات الغربية. على العكس من ذلك، وكما اعترف رئيس وزراء قطر السابق في عام 2017، كانت عملية مشتركة ومنسقة تضمّ جميع هذه الأجهزة الاستخباراتية بسبب العدد القياسي للممولين من القطاعين العام والخاص، الذين قدّموا جميع أشكال الدعم لهذه الحملة وعشرات الآلاف من المجاهدين المناهضين للدولة السورية الذين تلقوا مساعدة مباشرة أو غير مباشرة من قبل وكالة الاستخبارات المركزية وحلفائها، أعتقد أن هذه العملية السرية قد تكون الأكثر ضخامة في تاريخ الوكالة. ومع ذلك، لم أتمكن من تحديد ذلك بشكل مؤكد بسبب سرية حرب الظل هذه التي تعيق الوصول إلى الأرشيف وتعرقل بشدة التسريبات في الصحافة.