مع تقديرنا ودعمنا.. لكن..!؟
لا شك أن العقود الاستثمارية التي نوقعها مع الأصدقاء، لاستثمار عدد من المواقع الاقتصادية بامتياز، ستسهم في تحقيق جملة من الفوائد الهامة، عبر توطين التكنولوجيات المتطورة عالمياً ومحلياً، فدخول الاستثمار الأجنبي بما يمتلك من أحدث التقنيات التشغيلية والإدارية، ووفق معايير عالمية تتميز بها الشركات الدولية الكبرى، سينعكس بالمحصلة إيجاباً على صعيدي الاقتصاد الكلي والجزئي…
إضافة إلى ذلك، ستساهم مثل تلك العقود أيضاً، في تحقيق أعلى قيمة مضافة، من خلال الاستثمار الأمثل لتلك المواقع، وهذا بدوره ينعكس على تنموية وتطوير الجوانب التوظيفية لتلك المرافق الاقتصادية، وبالتالي نمو الإيرادات على نحو غير مسبوق…
كذلك، ستفتح مثل تلك العقود الاستثمارية الطويلة نسبياً، الباب واسعاً لتكوين شراكات استراتيجية، تحصِّن الاقتصاد الوطني من الهزات القاسية، وخاصة في هذه المرحلة الحساسة، التي نواجه فيها وعلى أكثر من جبهة حروباً شرسة (عسكرية واقتصادية وإعلامية)، ديدنها الوصول لتكون سورية دولة فاشلة؛ ما يتيح لأعدائها تنفيذ ما خُطط ويخطط للمنطقة سياسياً واقتصادياً بشكل عام، ولسورية بشكل خاص…
هذه بعض من الثوابت الاقتصادية وغير الاقتصادية المؤكدة، نتيجة لدخول الاستثمار الأجنبي عامة والصديق خاصة، لا يمكن نكرانها، لكن لنا نوع من “المأخذ” الاقتصادي، على حكومتنا ومسؤولينا فيها، لناحية عدم الشفافية في الإعلان عن بعض تفاصيل تلك العقود الهامة…
والمقصود بعدم الشفافية هنا، يتمثل بالأرقام العرجاء التي يُصرح بها، والتي تتناول الجوانب المالية من عائدات وإيرادات وأرباح، وتحديداً فيما يتعلق بحصص الطرف الآخر، والاكتفاء بالتصريح عن حصصنا، والمقارنة بين ما كنا نجنيه سابقاً من هذا المرفق الاستثماري، وما سنجنيه بعد تلزيمه للاستثمار الأجنبي…
مثلاً: حين يصرح وزير النقل، بأن استثمار مرفأ طرطوس من قبل الأصدقاء الروس، سينقل هذا المرفق الحيوي ليكون من أهم المرافئ على البحر المتوسط، فهذا برأينا أبسط أمر يجب توقعه، وهو مسلمة لا جدال حولها، وإلاَّ ما نفع هذا الاستثمار..!؟
لكن حين يحاول التوضيح وبـ”اقتضاب” لإيرادات سورية ويقول: نحن أخذنا نسبة 25% من الإيرادات بغض النظر عن النفقات، وستزداد هذه النسبة لتصل إلى 35% بشكل تدريجي مع الانتهاء من تنفيذ المرفأ، ويشير إلى أنه وبمقارنة ما يمكن لنا أن نحققه من إيرادات إذا ما ظللنا نستثمره- على وضعه الحالي – لن نصل وبأعلى مستوى سوى لـطاقة تشغيلية 16 مليون طن سنوياً، وبعائد لا يتجاوز الـ 24 مليون دولار سنوياً، بينما حين يستثمره الأصدقاء، فستزداد حصتنا إلى 84 مليون دولار سنوياً..
عندها من حق المواطن السوري معرفة الجدول الزمني الذي بموجبه سنصل ويصلون إلى تلك النسب والأرقام.
كذلك من حقه أن يعلم: لماذا لم نستطع سابقاً، الوصول لما سيصل إليه الأصدقاء؟! (علماً لو رجعنا لما كنا أُعلنَّا عنه قبل الأزمة من مشاريع لتطوير مرافئنا، وخصصنا لأجله الاعتمادات، لوجدنا العجب العجاب..!)، ولماذا لا نستطيع نحن حالياً الوصول لذلك (رغم وجود التمويل وبقدر ما نشاء من ملايين الدولارات حالياً)، وهل سنتمكن بعد 49 عاماً -إن لم يمدد العقد- من المحافظة على ما وصلوا إليه وزيادته..؟!
المواطن السوري اليوم من حقه أن يوضع وبكل شفافية بصورة كل ما يتم، بعدما دفعه من ثمين الدم ونفيس الشباب، ليتأكد أن ما قدمه من تضحية، سيتم تقديره عبر الكشف عن حقائق الأرقام التي من المفترض أن تساهم في تحسين وضعه المعيشي وصولاً لتوازنه وتحقيق نوع من الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وأن ما بيدنا هو أمانة يجب مضاعفتها تأميناً لمستقبل الأجيال القادمة.
وما يقال في عقد استثمار هذا المرفأ، يقال في غيره من عقود وقعت وعقود ستوقع، مع تقديرنا ودعمنا لكل ما يُوقَّع…
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com