خروج بريطانيا.. تسوية أم فوضى؟
ترجمة: عناية ناصر
عن موقع جابان تايمز 26/4/2019
لا تزال مشكلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بلا حلّ، ولا تزال تفرض الانقسام في الأوساط السياسيّة والشارع البريطاني، ما يطرح إشكالية كبيرة حول مدى صحة تعبير “استفتاء الخروج” فعلياً عن توجه البريطانيين، وحول “الديمقراطية البرلمانية” كلها، بانتظار حلّ أو تسوية، تشكّل صمام الأمان لبريطانيا وأوروبا.
تستمر ملحمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي قد تمتد أشهراً قبل آخر تاريخ خروج مسموح به في 31 تشرين الأول القادم. هل هناك أي نهاية تلوح في الأفق، مع وجود الكثير من الآراء الراسخة والمتباينة، على جانبي القنال الانكليزي، سواء في الأحزاب السياسية الرئيسية في المملكة المتحدة، أم على مستوى الرأي العام كله؟ الجواب لمرة واحدة هو “نعم” ولكن بشكل حذر!.
قبل أن يذهب البرلمان إلى استراحة قصيرة في عيد الفصح كانت هناك مبادرة تُطرح للتسوية، لأن المأزق التي تمرّ به لندن يعني الانجراف نحو خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي دون أي اتفاق على الإطلاق، ما يؤدي إلى الكسر الهائل في الأعمال والتجارة والإدارة، ليس فقط في بريطانيا ولكن في جميع أنحاء النظام الأوروبي، أي ما يماثل حدوث بتر كبير دون مخدّر.
الجمود حتى الآن هو سيد الموقف، ويبدو أن ذلك يفاقم من أزمة البرلمان البريطاني الذي لا يمكنه أن يقرّر شيئاً ولا يوافق على أي شيء. ولكن في الواقع هذا ليس صحيحاً تماماً، فقد وافق البرلمان بالفعل بأغلبية كبيرة على وجهة نظر إيجابية واحدة، وهي أنه سيدعم مسودة اتفاقية الانسحاب التي تمّ التفاوض بشأنها بشكل مؤلم بين الاتحاد الأوروبي وحكومة ماي، ما يعني أنه يمكن الوصول إلى حلّ إذا كانت “المساندة” الأيرلندية كبيرة، خاصة في موضوع بعض “الترتيبات البديلة” للحدود الأيرلندية، وهي المادة، المضمّنة في المعاهدة، والتي تنصّ على أن الحدود بين جمهورية أيرلندا (داخل الاتحاد الأوروبي) وأيرلندا الشمالية (جزء من المملكة المتحدة المغادرة) يجب أن تظلّ غير مرئية من أجل السلام، وحتى يتمّ ذلك، يتعيّن على المملكة المتحدة بأكملها أن تبقى داخل قواعد التجارة في الاتحاد الأوروبي (الاتحاد الجمركي)، أو أن تنفصل أيرلندا الشمالية جزئياً عن قواعد الاتحاد الأوروبي، وهنا
بدأت الأصوات القوية داخل الاتحاد الأوروبي تتساءل عما إذا كان ذلك ضرورة حقاً.
لقد دخلت المعارضة العمالية في لندن محادثات مع المحافظين، وهناك أمور يمكنهم الاتفاق عليها، حيث صارت كلمة “التسوية” تُسمع هنا وهناك. والسؤال: لماذا استغرق الأمر كل هذا الوقت الطويل؟. في الحقيقة إن اللوم غير مثمر، ومن الأفضل البحث عن السبب الجذريّ، والسبب الجذري العميق هنا يعود إلى تفسيرات مختلفة للديمقراطية.
لقد كان الإصرار الحديدي طوال الوقت من قبل مؤيدي الخروج على أن تسود أغلبية استفتاء عام 2016، باعتبار أن تلك هي الرسالة “الديمقراطية” من الشعب، لكن لم تكن هذه هي الرسالة الديمقراطية على الإطلاق، فالديمقراطيات ليست مجرد أغلبيات بسيطة، ومن المفترض أن تؤخذ في الاعتبار آراء الأقليات، وفي هذه الحالة فإن وجهة نظر أقلية كبيرة للغاية، قد تجعل الكفّة تميل ضد المغادرة.