تقنين استهلاك المحروقات أحد مداخل الحد من أزمة توفرها
أزمة توفر الوقود التي نعيشها هذه الأيام، دفعت السلطات الرسمية لاتخاذ بعض الإجراءات المهمّة التي خفّفت من وقع هذه الأزمة، وتمثّلت بتنظيم تزويد محتاجي الوقود من آليات وأسر، بكمية محدّدة من خلال اعتماد البطاقة الذكية، وخفض مخصّصات الآليات الحكومية من الوقود إلى نصف الكمية المخصّصة حالياً، وسحب بعضها من أيدي مستخدميها، واعتماد توزيع الكمية المخصّصة لكل منطقة بشكل متوازن، يضبط توزيع مخصّصات محطات الوقود مع مراعاة الكثافة السكانية في كل منطقة، بما يحقق العدالة، والحدّ من أي هدر أو تهريب أو احتكار، وتوجيه المحطات لالتزام تزويد طالبي مادة الوقود بالدور وفق الكمية المخصّصة لكل بطاقة ذكية. ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن السلطات المعنية حرصت على استمرار تزويد المنشآت بكميات مدروسة من حاجتها، مع مراعاة ألا يطال التقنين ما يمسّ متطلبات الحياة اليومية للمواطن، ومنها مخصّصات تصنيع رغيف الخبز ومخصّصات المشافي. كما نظمت توزيع المخصّصات اليومية لسيارات النقل العام. وواقع الحال هذا وما رافقه من إجراءات دفع الذين لم يتزودوا بالبطاقة الذكية، للتهافت المزدحم للحصول عليها، والذين بدا أنهم يشكلون شريحة كبيرة، بدليل التزاحم المشهود على المراكز التي يبدو أنها محدودة.
في ظل هذه الظروف من المتوجّب على جميع المواطنين التأقلم مع ما تمّ من إجراءات، وخاصة الشريحة القليلة من العاملين التي سُحبت السيارات العامة منها، أو التي طالها تخفيض المحروقات الشهرية المخصّصة إلى النصف، وعليهم أن يتحسّسوا معاناة أزمة السير لعشرات الآلاف من زملائهم العاملين غير المخصّصين بسيارات، وعلى الشريحة الأكبر من مالكي السيارات الخاصة، أن يقنّنوا استهلاكهم المعتاد الذي هم في غنى فعليّ عن كثير منه، ويتجنبوا التنقل المعتاد بالسيارة لقضاء أدنى الحاجيات، والتخفيف من الزيارات، وليمارسوا الرياضة بالتنقل سيراً على الأقدام في جميع المسافات القصيرة التي تفصلهم عن أماكن عملهم أو مساكن أصدقائهم وأقربائهم ومناطق تسوقهم، فمجمل التقنين الحاصل في السيارات العامة والخاصة، سيضمن تخفيض نسبة التقنين عن المنشآت العامة الحيوية، وعن مخصّصات سيارات النقل العام، التي تعود خدماتها لأغلب المواطنين، ويجب على أصحابها أن يتحمّلوا معاناة الحصول على مخصّصاتهم واستخدامها كاملة للغاية المستجرة لها، بغية ضمان حركة الإنتاج وحركة النقل العام، وعليهم تجنّب ابتزاز حاجة الناس لخدماتهم تحت حجة عدم توفر الوقود!.
إن التخفيف من وقع أزمة الوقود الحالية يتحقّق عبر المزيد من حضور السلطات المعنية، في العمل المنظم والمتتابع لضمان تأمين أكبر كمية من الوقود اللازم استيراداً من الخارج، وخاصة من الدول الصديقة، أو استثماراً لما هو متاح لنا في أراضينا من آبار وحقول نفطية وغازية، وضمان توزيعها العادل وفق أولويات وفي ضوء الحاجة الفعلية، مناطقياً وأسرياً ومنشآتياً، بالتوازي مع حضور الرقابة الفعلية الصارمة التي تضمن اجتناب وقوع أي خلل ومعالجته حال حصوله، على أن يترافق ذلك بتشاركية من المواطنين الذين لهم نصيب مفروض من الوقود المتاح، والحرص في الحصول على هذا النصيب وفق التراتبية المتّبعة، واستخدامه للغاية المستجر من أجلها واجتناب حبائل السوق السوداء التي لها منعكساتها الخطيرة، أكان ذلك عبر محطات الوقود، من خلال شرائها لبعض البطاقات من أصحابها غير المحتاجين لاستهلاك مخصّصاتهم، أو من خلال قيام البعض بالحصول على مخصّصاتهم ومن ثم بيعها في السوق السوداء.
من المؤكد أن فتح باب الاستيراد الآنيّ أمام منشآت القطاع الخاص سيخفّف من وقع الأزمة، ولكن تمويل القطاع الخاص للمستوردات بالأسعار العالمية، سينعكس على ارتفاع أسعار المنتجات، ما يحدّ من حضورها المنافس محلياً وتصديرياً.
في ضوء ما سبق، من الضروري جداً أن يعي الجميع أن ترشيد الاستهلاك الذي اتبعته الجهات العامة على آلياتها، واجب الاتباع بالسوية نفسها، لا بل وأكثر عند جميع مستخدمي الوقود بكافة أنواعه، خاصة وأن هذا الترشيد ممكن وواجب في الكثير من جوانبه، وتحديداً الاستهلاك الفردي والأسري، وعلى الجهات الرسمية تكثيف نشاطها باتجاه تنشيط تأمين النقل العام الجماعي اليومي للعاملين، بدلاً من السيارات الخاصة للكثير منهم، وتكثيف وجود آليات النقل الخاص، بما يضمن حركة السير على كافة الطرق، التي تربط المدينة مع الريف، ما يخفّف الحاجة للسيارات الخاصة التي تستهلك الكثير من الوقود لقاء خدمات فردية فقط.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية