ثمان وثمانون خطوة.. محاولة لتجسيد معاناة المخطوفين
جاء فيلم ثمان وثمانون خطوة من تأليف وإخراج أوس محمد الذي عرض على هامش مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة بدورته السادسة محاولة لتجسيد جزء من ألم ومعاناة المخطوفين لدى الفصائل الإرهابية في مدينة دوما من خلال قصة مخطوف جديد (ميلاد يوسف) ينضم لمجموعة صغيرة من الأسرى ويحاول إقناع أحدهم وهو ضابط شاب أسير (حمادة سليم) ومنذ اللحظات الأولى بضرورة محاولة الهرب من الأسر عبر خطة يعمل على إعدادها من خلال ربط المعطيات التي شاهدها وسمع عنها ببعضها ليتمكنا من الفرار والوصول إلى نقاط الجيش العربي السوري.
الجانب البصري للشريط اتسم بصورة واضحة وكوادر مدروسة وحركة كاميرا سلسة مع بعض أخطاء الإضاءة خاصة في المشاهد الليلية ودون جماليات في الصورة بشكل عام مع عدم الاستفادة كما يجب من لقطات الكاميرا الطائرة، حيث جاءت عادية ولا تحمل أي تشويق أو تمهيد لذروة درامية أو حدث مؤثر، مع أداء تمثيلي جيد من قبل كل الممثلين ولعل ذلك يحسب للمخرج في حسن إدارته لهم.
على مستوى النص ورغم ورود عبارة في بداية الفيلم بأنه يمثل قصة حقيقية جاء البناء القصصي للشريط مبنياً على عدة مصادفات ركيكة صاغها صانع الفيلم على عجل، وبنى عليها أحداث شريطه مثل استشهاد الأسير الشاب الذي كان برفقة الضابط الشاب في رحلاتهما إلى خط الموت لجلب جثث الإرهابيين وجثامين الشهداء بعد الاشتباكات التي تحصل بين الإرهابيين مع جنود الجيش العربي السوري ليتم مبادلتها أو التفاوض عليها، هذه المصادفة التي جاءت في الوقت ذاته الذي كان فيه بطل الفيلم يقنع الضابط الشاب المأسور منذ عامين (لحيته لايتجاوز عمرها الشهر) بضرورة محاولة الهرب، ليخبرنا فيما بعد هذا الأسير الجديد أنه مهندس إلكترون فجأة وبقدرته الفائقة على تعطيل الحزام الناسف الذي يقوم الإرهابيون بإلباسه للأسرى قبل إرسالهم إلى خط الموت، ومن ثم نكتشف أن هذا الأسير على دراية عالية بالطب وقادر على تشخيص حالة ضابط مصاب عثر عليه بمرافقة زميله الضابط الأسير بمجرد لمس جرحه بأصابعه، ليعلم أن رئتيه مليئتين بالدم ويجب التخفيف عنهما بإجراء ثقب في صدره، أضف إلى ذلك قيام الإرهابيين بسحبه وسحله عبر السلسلة المربوطة برقبته دون زميله، في الوقت الذي كانا فيه يحاولان فتح القفل المربوط برقبة كل منهما رغم تمرير معلومة سابقا أن الإرهابيين يقومون بسحب كل من أرسلوهم لخط الموت ولم يرجعوا بعد طلبهم عبر إطلاق الصافرة، كما شاهدنا المهندس الأسير يصل إلى الإرهابيين سيراً على الأقدام بعد أن تركناه في مشهد سابق وهو يسحل على الأرض من رقبته، لتأتي المغالطات بالجملة بعدها ومنها قيام الإرهابيين بضربه دون نزع الحزام الناسف عنه والذي من المفترض انه مزخر مع القفل المربوط برقبته، وهذا فيه تجاوز للمنطق وكسر للبديهيات في سبيل استسهال الوصول إلى الذروة عبر تفجير البطل لنفسه بالإرهابيين لينقذ زميله الأسير مع الضابط المصاب، ومحاولته قطع السلسلة بالمحفار عدة مرات حتى ينجح بذلك رغم إصابته القاتلة ومنازعته للموت ليستشهد بعدها مباشرة ويصرخ الضابط الشاب صرخة غير مبررة فيها الكثير من التكرار لكليشهات قديمة في الأداء والإخراج، ولنراه بعدها يحمل الضابط الشهيد ويمشي باتجاه الحرية وصولاً للنهاية المخطط لها بالكثير من الاستغباء للمشاهد.
لم نذكر سوى الأخطاء الكبيرة التي بنى عليها المخرج الأكاديمي نقاط نصه الدرامية وصولاً للذروة والحل رغم وجود العديد من الهفوات الأخرى المرتبطة بتفاصيل صغيرة مثل وجود إضاءة في سجن الأسرى ليلا مع عدم منطقية عمليات الحفر التي كان الإرهابيون يجبرون الأسرى عليها والأعداد القليلة للأسرى والإرهابيين بشكل عام وكأنهم معزولين في مكان صغير وهذا يخالف الحقائق وغيرها من المغالطات الكثير.
كل ذلك لم يشفع للنوايا الحسنة لصانع الفيلم في إظهار معاناة الأسرى والألم الذي عانوا منه وما مارسه بحقهم الإرهابيون من معاملة وحشية، فنحن هنا أمام فيلم سينمائي احترافي توفرت له الظروف الإنتاجية الصحيحة والمناسبة مع كادر تقني مميز ومدة زمنية جيدة في التنفيذ، وليس فيلماً من أفلام الهواة من مشروع دعم سينما الشباب الذي لا يتجاوز تصويره اليومين فقط وبإمكانات إنتاجية متواضعة، خاصة إذا علمنا أن هذا الفيلم هو الثالث للمخرج الذي يصر على كتابة أفلامه بنفسه ولا يحاول تطوير أدواته في فن كتابة السيناريو بعد كل تجربة يقدمها، معتبراً أن المشاهد يجب أن يقبل كل ما يقدمه له بمجرد طرحه لقصة حول الحرب الظالمة على سورية، فهل يجوز هذا الاستسهال في تقديم شريط سينمائي من إنتاج المؤسسة العامة للسينما من المفترض أن يكون وثيقة للمستقبل?.
محمد سمير طحان