الشهادة..تضحية لا تقدر بثمن.. وبطولات صنعت الانتصار
رسموا بدمائهم وقيمهم الراسخة أبهى لوحات النضال التي لم ولن نجد لها مثيلاً على وجه المستديرة، لم يحاربوا عصابة أو دولة بل تحدّوا الكون، واليوم مع اقتراب إعلان النصر الكبير نستذكر بطولاتهم التي علّمت العالم المعنى الحقيقي للتضحية في سبيل الوطن.
عريس الوطن
الشهيد الملازم أول شرف محمود أيمن المحمد انتسب إلى الكلية الحربية ليحقّق حلمه في أن يكون جندياً يدافع عن أرض بلده ويستشهد على ترابها الغالي، ولم يثنِ عزمه نبأ استشهاد عمّه الرائد الطيار علي المحمد، بل التحق الشهيد محمود المحمد بالصفوف الأولى للمدافعين عن الوطن، وساهم معهم بتحرير جميع مناطق ريف اللاذقية الشمالي من الإرهاب الأردوغاني، وصولاً إلى حدود آمنة مع العدوان التركي الغاشم والداعم لهم، مردداً كلام قادته الشجعان بأن الوطن لا ترويه إلا دماء الشجعان ليزهر ربيعه من جديد بعد طول الخريف العربي، كان دائم الحضور في مناطق الالتحام مع العدو ويأبى التراجع ويعشق المرتفعات، ويستهدف منها قطعانهم وينتظر أي أمر للاقتحام ببالغ الصبر، إلى أن لبّى نداء الشهادة في العام 2016، وزُفّ إلى مدينته المخرم بريف حمص الشرقي بعد أهدى أعوامه الثلاثة والعشرين لجبال وطنه الشامخة.
المعشوقة الوحيدة
ولد في دمشق القديمة وتنفّس من ياسمينها فكانت معشوقته الوحيدة وجنته الغنّاء، وبعد أن أنهى دراسته الثانوية انتسب الشهيد الملازم أول شرف علي غازي رمضان إلى حلمه وبيت آماله الكلية الحربية ليكون ضابط مدفعية، ومع بداية الأحداث تمسّك بحلمه أكثر فأكثر وازدادت نار غضبه جرّاء ممارسات الحاقدين، كان دائماً يردّد على مسامع أهله عبارة “لا تقلقوا.. فالمدفعية آلهة الحرب الحديثة”. اختار تنفيذ المهام في أسخن المناطق، ومهما كان الموت والظلام يكسبان من الجولات كان مؤمناً بالنصر المؤزّر ويأبى الجلوس على الخطوط الخلفية، تنافس مع رفاقه بتنفيذ المهام في ريف دمشق ودرعا وريف حمص والسخنة وحماة وشاركهم احتفالات النصر والتحرير البهيّة، وأكد من بقي من مجموعته أنه كان من المتعطشين للاشتباك مع الدواعش وسحق أجسادهم العفنة حتى لو كان الفاصل بينهم أمتاراً، إلى أن استشهد في العام 2016 قبل يوم واحد من الاحتفال بتحرير آخر معقل من معاقلهم القذرة في محور عقيربات في السلمية، وأصبحت النجمة التي زيّنت كتفه تضيء المجرات مع من سبقها من نجومنا الساطعة، لطالما عرفت النجوم بنضالها ضد الثقوب السوداء التي تبتلع حتى النور من مجرات التضحية، وزُفّ جثمانه إلى مسقط رأسه قرية الصبورة في السلمية قبل أن يتمّ عامه الحادي والعشرين.
رغم حبه الحياة
عُرف الشهيد الملازم شرف علي إبراهيم المحمود بحب الحياة والطموح، ودخل الجامعة لتحقيق حلمه في دراسة القانون، لكن ومع وصول الإرهاب إلى مشارف قريته وتطاولهم على المدن والجامعات، سارع لمغادرة مقعد الجامعة بكل شجاعة وتقدّم بطلب استعجال سوق ليلتحق بصفوف المدافعين عن الوطن وليعزّز صمودهم، مقتدياً بوالده الضابط المتقاعد، وبقي الشهيد مرابطاً على ساحات الوغى دون كلل أو ملل إلى أن ركب جسده الطائرة للمرة الأولى في العام 2013 ملفوفاً بعلم الوطن ونقل إلى مثواه الأخير قرية جب رملة في ريف حماة، تاركاً في قلب والديه وشقيقه أحمد مزيجاً من مشاعر الحزن والفخر.
لا تنسوا أطفاله
كان المقاتل وسيم صالح المحمد يعمل في لبنان وبعد بداية الأحداث وتجرؤ المسلحين على مهاجمة القرى القريبة من قريته السنكري بريف حمص الشرقي عاد إلى قريته وسارع للالتحاق بصفوف الدفاع الوطني، وشاركهم مهمات الاقتحام وتحرير القرى من سطوة الإرهاب وكبح جماح قطعانهم الحاقدة، وكان عنصراً بارزاً من عناصر مجموعات الاقتحام البرية التي رسمت الطريق القويم لتحرير حمص التي عصف بها الإرهاب مبكراً، كان حلمه الدائم إماتة الظالمين المعتدين ودفنهم في مزابل التاريخ وإزهاق أرواحهم الحيوانية التي تفنى مع أجسادهم كالحيوانات، وبعد أن توجّه مع مجموعة من زملائه إلى قرية أم شرشوح لنجدتها تعرضوا لكمين غادر استشهد خلاله كوكبة من أطهر شباب قريته وفقد خلال ذلك الكمين، ولم يعرف حتى اليوم إن كان شهيداً أم مخطوفاً، ووجّه أهله رسالة للجهات المعنية لبلورة القوانين الناظمة لقوات الدفاع الوطني، فرواتب ابنهم المفقود توقفت منذ ما يربو عن السنة وأولاده وزوجته يحتاجون ما يسدّ رمقهم في غياب راعيهم.
بشار محي الدين المحمد