مؤامرة دعمها ماكميلان لتنفيذ اغتيالات في سورية عام 1957
ترجمة: مازن المغربي
عن الاندبيندنت
توافق البيت الأبيض ومقرّ رئاسة الحكومة البريطانية على تنفيذ عملية غزو على خلفية موضوع النفط. فقبل أكثر من خمسين عاماً من الحرب ضد العراق فكر البريطانيون والأمريكيون بخطة سرية لتغيير النظام في بلد عربي آخر اتُهم بنشر الإرهاب وتهديد إمدادات النفط الغربية، ووضعت خطة لاجتياح سورية واغتيال شخصيات بارزة فيها. وقد أظهرت وثيقة تمّ الكشف عنها كيف أنه في عام 1957 أقرّ هارولد ماكميلان والرئيس دوايت إيزنهاور خطة جهاز الاستخبارات العسكرية البريطانية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لافتعال حوادث حدودية لتبرير غزو سورية من قبل جيرانها الموالين للغرب وتصفية ثلاث شخصيات بارزة في دمشق. تمّ العثور على المخططات ضمن الأوراق الخاصة لدونكان سانديز سكرتير ماكميلان لشؤون الدفاع من قبل ماثيو جونز، وهو قارئ مهتمّ بالتاريخ الدولي يرتاد جامعة هولووي الملكية في لندن.
في واقع الأمر عرف المؤرخون بأن أجهزة الاستخبارات فكرت بالإطاحة بالنظام السوري في خريف 1957، لكن هذه هي المرة الأولى التي يعثر فيها على وثيقة تُظهر أن اغتيال ثلاث شخصيات بارزة كان من صميم المخطّط. وتشير الوثيقة إلى اجتماع لمجموعة عمل رفيعة المستوى في أيلول 1957 في واشنطن، ولم يكن لدى ماكميلان والرئيس أيزنهاور أي شك بضرورة اغتيال أبرز قادة دمشق. حملت الوثيقة عنوان “الخطة المفضلة” وتضمنت ما يلي: “بهدف تسهيل عمل قوى التحرير، والحدّ من قدرات الحكومة السورية على تنظيم وقيادة أفعالها العسكرية، وبهدف حصر الخسائر والدمار عند أدنى مستوى ممكن، وبهدف تحقيق النتائج المرجوة في أقصر وقت، يجب بذل جهود لتصفية بعض الشخصيات المفتاحية، ويجب أن يتمّ التخلّص منها في مرحلة مبكرة من التمرد والتدخل وعلى ضوء الظروف التي ستكون قائمة وقتها”. وذكرت الوثيقة التي أقرتها واشنطن ولندن ثلاثة رجال هم عبد الحميد السراج رئيس الشعبة الثانية، وعفيف البزري رئيس هيئة الأركان العامة، وخالد بكداش زعيم الحزب الشيوعي. بالنسبة لرئيس الحكومة الذي وصل إلى الحكم نتيجة لهزيمة أنتوني إيدن في حرب السويس قبل عام واحد يبدو سلوك ماكميلان عدوانياً بشكل فج. وهو وصف التقرير في مذكراته بأنه كان عظيماً وكانت درجة السرية عالية إلى حدّ كتم الموضوع عن قيادة الأركان البريطانية بسبب ميلها إلى الثرثرة.
ساد في البيت الأبيض وفي مقرّ الحكومة البريطانية شعور متزايد بالقلق من تصاعد حدة المواقف السورية المناهضة للغرب والمتقاربة مع السوفييت منذ الإطاحة بالنظام العسكري المحافظ الذي قاده العقيد أديب الشيشكلي من قبل تحالف بين سياسيين ينتمون إلى حزب البعث العربي الاشتراكي وإلى الحزب الشيوعي بالتعاون مع أنصارهما في الجيش عام 1954.
صدرت الدعوة للتحرك من قبل رئيس قسم الشرق الأوسط في وكالة الاستخبارات المركزية كرميت روزفلت حفيد الرئيس الأسبق تيودور روزفلت الذي حدّد أن السلطة الحقيقية كانت في أيدي ثلاثة أشخاص هم العقيد السراج، واللواء البزري، والسيد بكداش، وأنهم حكموا خلف واجهة الرئيس، بل إن الثلاثي اقتربوا أكثر من فلك نيكيتا خوتشيف إثر الفشل المدمّر للعدوان الثلاثي الذي شنّته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل رداً على تأميم قناة السويس.
ومع حلول عام 1957 وعلى الرغم من معارضة الولايات المتحدة لحملة السويس، إلا أن الرئيس أيزنهاور شعر أنه لم يعد قادراً على تجاهل خطر تحوّل سورية إلى مركز مرتبط بموسكو في الشرق الأوسط، والأهم أن تتحكم سورية بأهم شرايين النفط العراقي التي تربط حقول النفط في العراق الموالي للغرب بتركيا.
وأضافت وثيقة “الخطة المفضلة”: “ما إن يتمّ الوصول إلى قرار سياسي لنشر اضطراب داخلي في سورية فإن وكالة الاستخبارات المركزية أعدّت لعمليات تخريب صغيرة ولحوادث، في حين سيحاول جهاز الاستخبارات العسكرية البريطانية المساهمة في العملية وسيعمل الجهازان بالتعاون مع أشخاص من الداخل… وسيواصل الجهازان التشاور بهدف تحاشي أي تداخل أو تعارض بين نشاطاتهما… ويجب ألا تتركز الحوادث في دمشق.. ويجب ألا تتمّ المبالغة في تنفيذ العملية بحيث لا يتمّ تنبيه الزعماء الأبرز في سورية ودفعهم لتعزيز إجراءات الحماية الشخصية”.
وقالت الوثيقة إنه ما إن يتمّ خلق الدرجة المطلوبة من الرعب حتى يتمّ افتعال حوادث حدودية يمكن أن تُستغل ذريعة لتدخل الجيشين العراقي والأردني، وأنه يجب إظهار سورية بوصفها راعية للتخريب الذي يستهدف الأنظمة المجاورة، وعلى وكالة الاستخبارات المركزية وجهاز الاستخبارات العسكرية البريطانية استخدام قدراتهما على الصعيد السيكولوجي وفي الميدان بهدف رفع حدة التوتر. وهذا يعني تنفيذ عمليات في الأردن والعراق ولبنان تتخذ شكل التخريب، ومؤامرات، والعديد من النشاطات المسلحة وإلقاء اللوم على دمشق. ودعت الخطة لتمويل “لجنة سورية حرة”. ويمكن لجهازي الاستخبارات تنظيم انتفاضات داخلية وبشكل خاص في السويداء، وأن يساعدا في تحرير المعتقلين السياسيين في سجن المزة وتحريك جماعة “الإخوان المسلمين” في دمشق. وقضت الخطة باستبدال النظام القائم على تحالف بعثي شيوعي بنظام حازم في عدائه للسوفييت، لكنها أقرّت بأن هذا النظام لن يحظى بشعبية، ومن المرجح أنه سيحتاج في المقام الأول للاعتماد على إجراءات قمعية ولممارسة سلطة تعسفية. لكن لم يتمّ استخدام الخطة بسبب عدم اقتناع الدول العربية بالتدخل، ولأن التدخل من جانب تركيا وحدها لن يكون مقبولاً.