انتقادات أوروبية لإعادة انتخابات اسطنبول
قرار اللجنة العليا للانتخابات في تركيا، الذي ألغيت بموجبه نتائج الانتخابات البلدية في اسطنبول، أعاد التأكيد على عدم استقلالية اللجنة وتبعيتها ورضوخها كغيرها من المؤسسات الحكومية لنظام رجب طيب أردوغان، الذي حوّل البلاد إلى سجن كبير يعتقل فيه كل من ينتقد سياساته، ويعارضه من مختلف فئات الشعب.
مرشح حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض أكرم إمام أوغلو فاز على مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم بن علي يلدريم في انتخابات اسطنبول، إلا أن أردوغان وحزبه رفضا الاعتراف بالهزيمة، وحاولا تغيير هذه النتائج بالتأثير على أعضاء لجنة الانتخابات العليا لإعادة عمليات الاقتراع في اسطنبول تحت ذرائع مختلفة، كما عملوا على تأجيل إعلان النتائج النهائية.
حزب الشعب الجمهوري أكد على الفور أن قرار إعادة الانتخابات البلدية في اسطنبول يشكّل دليلاً واضحاً على النهج الديكتاتوري في البلاد، حيث قال نائب رئيس الحزب أونورسال أديغوزال: “إن هذه المنظومة الحاكمة التي تتجاوز إرادة الشعب وتتجاهل القانون، ليست ديمقراطية ولا شرعية.. إنها ديكتاتورية سافرة”.
مرشح حزب الشعب الجمهوري الفائز في انتخابات بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو أدان بدوره أمام الآلاف من أنصاره في اسطنبول قرار اللجنة، مؤكداً أن هذا القرار “خيانة”، فيما ردد أنصاره هتافات دعت اللجنة العليا للانتخابات إلى الاستقالة، وطالبوا بتفعيل دولة القانون والعدالة.
اللجنة العليا للانتخابات التي لها سوابق في عدم النزاهة والحيادية، وخاصة عندما ساعدت أردوغان في الاستفتاء على التعديلات الدستورية باعتمادها نحو 2.5 مليون بطاقة اقتراع غير مختومة، الأمر الذي يتناقض مع قانون الانتخابات، زعمت أن قرار إبطال نتائج انتخابات اسطنبول اتخذته كون رؤساء اللجان الانتخابية في اسطنبول قاموا بتعيين أعضاء ورؤساء بعض اللجان الفرعية بشكل غير قانوني.
محللون سياسيون ومتابعون أبدوا استغرابهم من هذه الذريعة غير المنطقية كون هذه اللجان الفرعية غير القانونية من وجهة نظر اللجنة العليا للانتخابات التابعة لأردوغان هي نفسها التي أشرفت على عملية الاستفتاء وانتخابات حزيران الماضي والانتخابات الأخيرة، داعين في هذا الإطار إلى إلغاء كل الانتخابات المذكورة، وليس فقط الانتخابات البلدية في اسطنبول.
المحللون والمتابعون تساءلوا أيضاً لماذا قررت اللجنة إلغاء الانتخابات في اسطنبول فيما أقرت انتخابات ضواحي اسطنبول التي فاز في 25 منها من أصل 39 حزب العدالة والتنمية الحاكم، مع العلم أن اللجان الفرعية التي تذرعت بها اللجنة العليا هي نفس اللجان التي أشرفت أيضاً على انتخابات أعضاء المجالس البلدية التي فاز العدالة والتنمية في معظمها، مشيرين إلى أن كل هذه المعطيات تبيّن بوضوح أن أردوغان سيستنفر كل إمكانياته المادية والمعنوية والسياسية والأمنية والقضائية لضمان هزيمة مرشح المعارضة في الانتخابات البلدية المقبلة.
وفي ردود الفعل، اعتبر رئيس النظام التركي قرار اللجنة العليا للانتخابات “خطوة مهمة والخطوة الأفضل نحو تعزيز الديمقراطية في البلاد”، حسب زعمه، فيما أعلن حزب الشعب الجمهوري المعارض موقفه النهائي من انتخابات الإعادة في ولاية اسطنبول التي فاز بها في الجولة الأولى، وأكد رئيس الحزب كمال كليتشدار أوغلو عقب اجتماع حزبي، أمس، أن الحزب لن يقاطع الانتخابات وقرر المشاركة فيها، مضيفاً: “سنجلب الديمقراطية للبلاد رغم كل شيء”.
خسارة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية في أكبر مدينتين تركيتين هما اسطنبول وأنقرة ومدن كبرى أخرى وفق النتائج الصادرة عن هذه الانتخابات اعتبرها كثيرون أنها تعكس توجه الناخبين الأتراك لمعاقبة أردوغان وحزبه جراء سياساته داخلياً وخارجياً.
وفي سياق ردود الأفعال الدولية، انتقد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس القرار بوصفه “غير شفاف وغير مفهوم”، قائلاً: “إن الحفاظ على المبادئ الديمقراطية مع ظروف انتخابية شفافة أهم أولوياتنا”، فيما دعا المستشار النمساوي سيباستيان كورتز إلى إنهاء المفاوضات مع النظام التركي حول الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وقال في بيان: “إن أي شخص لا يقبل نتائج الانتخابات الديمقراطية لن يكون له مكان في الاتحاد الأوروبي”، مضيفاً: “إن تركيا ابتعدت عن الاتحاد الأوروبي خطوات أكبر من أي وقت مضى لسنوات، ولم تعد تستوفي شروط مفاوضات الانضمام”.
وأشار كورتز إلى ممارسات النظام التركي القمعية، قائلاً: “إنه لا تزال هناك قيود منهجية قوية على حرية التعبير والصحافة في تركيا”.
بدورها، دعت مرشحة حزب الشعب النمساوي للانتخابات الأوروبية ووزيرة الدولة للشؤون الداخلية كارولين إيدشادلر إلى الوقف النهائي لمفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مع تركيا، وقالت: “إن الانتخابات الديمقراطية ودون أي تأثير تعسفي من قبل النظام التركي على النتيجة هي الحد الأدنى المطلوب لعضوية أي دولة في الاتحاد الأوروبي”، مضيفةً: “لا تزال تركيا تعاني من عجز ديمقراطي هائل، والديمقراطية غير قابلة للتفاوض بالنسبة للاتحاد الأوروبي”.