شهداء البعث في السويداء عقيدة وطنية متجذرة في التضحية والبطولة
“لما سلكنا الدرب كنا نعلم أن الضحايا للرسالة سُلم”، هو واحد من الشعارات التي كان البعثيون يرددونها منذ التأسيس حتى اليوم، شعار جسّده اليوم البعثيون سلوكاً وفكراً بأشكال متعددة ومتنوعة خلال تصديهم للإرهاب وفكره التكفيري، وأسمى أشكال هذا السلوك خيار الشهادة الذي سار عليه البعض الذين جسّدوا إيمانهم بتعاليم البعث ومبادئه حباً وتضحية في سبيل الدفاع عن الوطن وعزته وكرامته.
البعث زارت أسر شهداء لواء البعث وكتائب البعث في السويداء، اللقاء بأسرهم هو لقاء مع الذات البعثية والوطنية في أسمى معانيها، فالعقيدة العروبية متجذرة في نفوسهم.
تربية بعثية
في بلدة حران قصة الشهادة ترتسم في أسمى معانيها، البلدة التي لا يتجاوز عدد سكانها 1500 مواطن قدمت 21 من أبنائها شهداء، على مدخل القرية تستقبلك صور الشهداء مزينة أضرحتهم لتروي للزائر قصة الصمود كاملة، القرية التي لا تبعد أكثر من 500 متر عن أوكار الإرهابيين في بصر الحرير والمسيكة بريف درعا الشرقي سورت أجساد شبابها حدود القرية، وتصدت لكل اعتداءات الإرهابيين، لتقدم شهداء ودماء طاهرة معظمهم من المدنيين الأبرياء، إضافة إلى شهداء كتائب البعث الذين جسّدوا تربيتهم البعثية الوطنية فعلاً سامياً راقياً تجسّد بأسمى حالات التضحية والفداء، فكانت أسماء وأكرم وأيسر وأكثم، والبداية من بيت أكثم.
في اللحظة الأولى لدخولك منزله تكتشف سر الصمود والتضحية، أحجار البازلت تشكّل هوية المكان، وأشجار التين والزيتون شواهد على التجذر بالأرض، أما الروح البعثية فيلمسها الزائر عند الحديث مع أسرته.
تقول سماح عزام زوجة الشهيد أكثم هايل مرشد: إن الدافع الحقيقي له في الانتماء لكتائب البعث هو الانتماء الوطني والحس البعثي، فالروح البعثية كانت بالنسبة له فعلاً وممارسة وليست مجرد أقوال.
سماح المعيلة اليوم لأولادها لليان وريان وكريم تقول: إن زوجها كلّف بأكثر من مهمة لملاحقة العصابات الإرهابية المسلحة التي تعبث بأمن الوطن وتقتل أبناءه، اقترب من الشهادة أكثر من مرة إلى أن تحققت أمنيته وقضى شهيداً برصاص الغدر والخيانة على أيدي المجموعات الإرهابية المسلحة، وعزاؤنا أنه سجل اسمه في سجل الخالدين، رحمه الله ورحم جميع شهداء الوطن، وجعل مثواهم الجنة.
وأشار فتحي شقيق الشهيد أكثم إلى أن شقيقه تربى على حب الوطن والدفاع عنه والذود عن عزته وكرامته، وكان مقاتلاً شجاعاً قضى وهو يقوم بواجبه الوطني في التصدي لعصابات الإجرام، مبيّناً أن الشهيد البطل قدم روحه ودمه فداء للوطن، ولبى نداء الواجب، فاستحق أن يسجل اسمه في سجل الخالدين، وتحول جسده ورفاقه الشهداء إلى جسر للعبور نحو المجد والخلود.
في منزل الشهيدين الأخوين أكرم وأيسر مرشد تقرأ النخوة منذ دخولك إليه، الشهامة والرجولة هما رأسمالهما الوحيد، وبيارات العنب التي تعانق جدران المنزل مازالت شهادة يفوح منها عبق الشهادة.
تقول شروق زوجة الشهيد أكرم: إن الشهيد كان محباً لوطنه، ومدافعاً عنه، غيوراً مندفعاً للدفاع عن أهله، وقد جسّد تربيته الوطنية والبعثية فعلاً حقيقياً من خلال التصدي لأي هجوم كانت تتعرّض له القرية، حيث كانت النخوة من أهم طباعه، وكانت التربية البعثية تنعكس على سلوكه، حيث كان القدوة في حب الأهل والأقارب.
وتضيف رنا زوجة الشهيد أيسر: إن الوطن يحتاج تضحية كل أبنائه كي يبقى آمناً مستقراً، هذه هي رسالة الشهيد أيسر الذي اختار درب الشهادة، وضحى بدمه الطاهر كرمى عيون سورية، فماذا أقول عن الشهيد، فمهما تحدثت عن خصاله لن أستطيع أن أفيه حقه، فهو المؤدب والخلوق والحنون والبار بأهله والكريم والصالح، ومن يحمل هذه الصفات لا يموت، لأن الشهيد بحجم الوطن، والوطن لا يموت أبداً.
شقيق الشهيدين نورس يقول: إن شقيقيه امتلكا من الإقدام والشجاعة والاندفاع ما أهلهما لنيل شرف الشهادة في سبيل عزة وكرامة الوطن، حفظ الله سورية، وقائدها السيد الرئيس بشار الأسد.
يقول أمين الفرقة الحزبية في بلدة حران حسين مرشد: إن الشهداء الثلاثة تميزوا بروحهم الوطنية العالية، فكانوا دائماً في مقدمة المدافعين والغيورين على مصلحة أبناء قريتهم ووطنهم، ويتابع مرشد: إن الشهادة تاج على رؤوس الشرفاء، وحب الوطن صفة استمديناها من إرث الآباء والأجداد، وأضاف: إن الشهداء عشقوا وطنهم، وحملوا روحهم على كفهم عندما سمعوا صوت الوطن يناديهم، فتألق في قلبهم حب الوطن صادقاً فقدموا أغلى ما يملكون، ورووا بدمائهم الطاهرة أرض الوطن ليهنأ الوطن بالأمن والاستقرار.
يقول قائد فصيل كتائب البعث بسام مرشد: إن الشهداء الثلاثة كانوا في مقدمة المدافعين عن المحافظة، وأول المنفذين للمهام الصعبة، مقدامين، لا يهابون الموت، حيث شاركوا في كافة المعارك التي خاضها أبناؤها ضد الإرهابيين في الثعلة، وداما، ودير داما، والحقف، وكان هاجسهم الأساسي هو الدفاع عن الأرض والعرض والكرامة، فاجتمعت في شخصياتهم كل المزايا والصفات الحميدة من النبل، والشجاعة، والإقدام، والبطولة، وحب الوطن، فاعتبروا الوطن كالأم لا يفرط به ولا يساوم عليه.
“اخترناك يا وطن”
“خيّروني بين الورد والوطن فاخترتك يا وطني”، هذه المقولة التي قالها الشهيد برهان أبو فخر قبل استشهاده، الشهيد الحاصل على وسام التبرع بالدم لم يكن غريباً عليه نيل الوسام الأسمى، وسام الشهادة، وهو من تبرع 96 مرة بالدم ليكلل عشقه لوطنه بتقديم روحه كرمى له، بهذه الكلمات اختصرت ريمان زوجه الشهيد قصة بطولة زوجها الشهيد، وتضيف: كان يتميز بصفات كثيرة أهمها العطاء، فاختار وطنه على ابنه ورد.
دموع الاعتزاز والافتخار التي انهمرت من عيني والده سعدو، وهو أمين فرقة حزبية، يقول إنها دموع قوة وعظمة، حيث أثمرت التربية البعثية وتكللت بشهادة ابني الذي دافع عن مبادىء البعث وقيمه، وقدم روحه من أجلها، فالشعارات التي كنا نرددها منذ عام 1963 انعكست سلوكاً وفعلاً خلال التصدي لعصابات الإرهاب والإجرام.
الشهادة في منزل الشهيد في دير اللبن متوارثة، ففيه استقبل جد الشهيد قيادة الثورة السورية الكبرى، وناضل ضد الاحتلال الفرنسي لينتهي به المطاف شهيداً في لبنان.
وفي قرية كفر اللحف عرس الشهادة لم ينقطع منذ بداية الحرب على الوطن، إلا أن للشهيد نايف أبو خير قصة مختلفة، فابن 57 عاماً اعترض على قرار تحديد السن بخمسين عاماً للراغبين بالالتحاق بلواء البعث، فحصل على استثناء الالتحاق بهذا اللواء ليعود شهيداً، كما يقول هيثم أبو فخر، أمين الفرقة الحزبية، وهو الوحيد الذي نال شرف العضوية العاملة بلا اختبار لكثرة الخدمات التي كان يقدمها، ولاندفاعه، وتلبية كل ما يطلب منه في أي وقت، وقد تكللت خدماته بنيل شرف الشهادة.
ويضيف خالد أبو فخر قائد فصيل كتائب البعث بأن الشهيد كان متطوعاً في القوات الرديفة، وقاتل المجموعات الإرهابية في درعا، ثم انتسب للواء البعث ليقدم نموذجاً وحالة متقدمة في العطاء والإخلاص لوطنه.
كثيرة هي الصفات التي يحملها كما تحدث لنا أمين الفرقة الحزبية، وقائد الفصيل، ويلمسها الزائر لبيته، حيث تستقبلك شجرة الليمون، وقد تكون الوحيدة في المنطقة معانقة بيارات العنب، وأشجار الزيتون، لتحكي قصة وطن كاملة تختصرها زوجته بديعة بالقول: إنه روى تراب حماة بدمائه الطاهرة، أما ابنته روان فتقول: كان دائماً يقول لنا إنه سيعود لنا شهيداً، هكذا أراد، وهذا ما حصل، أما ابنه عمرو فأضاف: “إننا على الدرب ذاته سائرون”.
البعث طريقنا
وفي قرية المجيمر في الريف الغربي للسويداء عاش الشهيد أمين مرداس ثلاثة أشهر تفصل استشهاده عن استشهاد ابنه مجد، اختار الانتساب للواء البعث طريقاً لاستمرار تأدية رسالة الواجب، ورغم أن بلده يقع في مواجهة مباشرة مع المجموعات الإرهابية في درعا، ويعاني بشكل دائم من اعتداءات تلك المجموعات، إلا أنه اختار وسط الوطن ليكون مكان استشهاده، حيث روى أرض حماة بدمائه الطاهرة.
زوجة الشهيد ميسون مرداس التي وجدت نفسها اليوم في مواجهة متاعب الحياة بعد استشهاد زوجها وابنها، ومعيلة لطفلين مرضى قلب، تقول أفتخر وأعتز بأنني زوجة عقيد ووالدة عقيد- رحمهما الله- وجعل مثواهما الجنة،
مؤكدة أن الدرب الذي اختاراه هو درب العز والفخار والكبرياء والكرم والكرامة.
الزوجة التي لا تفارق ابتسامة الكبرياء وجهها، رغم كل مصاعب الحياة وهمومها، عبّرت عن ثقتها بأن دماء الشهداء لن تذهب سدى، بل ستزهر انتصاراً على الإرهاب والإرهابيين.
صبا الطالبة الجامعية اختارت التعبير عن اعتزازها باستشهاد والدها وشقيقها بطريقتها الخاصة، الحصول على المركز الخامس على مستوى القطر في امتحانات شهادة التعليم الثانوي، فكان تفوقها خير معبّر عن عزمها الاستمرار في تأدية الرسالة، تقول صبا: لقد ارتقى والدي وأخي إلى العلا، ووصلا إلى أعلى مراتب المجد، وتركا لنا الرفعة والسمو.
رفعت الديك