هل ستنجح الصين في قيادة العالم؟
ترجمة: علاء العطار
عن موقع “فالداي” 2/5/2019
يشكّل المارد الصيني دليلاً دامغاً على شكل ميدان السياسة العالمية في المستقبل، وهو ما ينتظره العديد بفارغ الصبر، فقد بات ملحاً ظهور قوة مهيبة قادرة على لجم الهستيريا الأمريكية ووضع حدّ لغطرستها.
انعقد في بكين في الأسبوع الماضي منتدى الحزام والطريق الثاني للتعاون الدولي، وشارك عشرات الزعماء ورؤساء الحكومات في المنتدى، وحلّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كضيف رئيسي. وكمقارنة بالمنتدى السابق الذي عُقد قبل عامين في أيار عام 2017، زاد عدد الدول المشاركة بدرجة كافية.
لا عجب في أن العالم يحتاج إلى بديل دوماً، والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما شكل هذا البديل. في حالة الاتحاد السوفييتي، كان البديل جذاباً للغاية للوهلة الأولى، لكن سرعان ما تمّ تشويه صورته. والآن تسعى الصين إلى تقديم صورة مختلفة عن هذا البديل، ليس كمعسكر عسكري يمتلك أسلحة وصواريخ، بل كمساحة من الرفاه المشترك، يمثل ذلك جوهر الإستراتيجية الصينية للمنافسة مع الولايات المتحدة على القيادة العالمية.
ولا ريب أن هذه المنافسة قد بدأت بالفعل، وبالرغم من حقيقة أن أول التهديدات بـ”الحروب التجارية” صدرت عن واشنطن بعد تولي دونالد ترامب السلطة، إلا أن قرارات المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي عقد في 18-24 تشرين الأول 2017 في بكين خلقت الظروف الموضوعية لبدء المنافسة. وبالمناسبة، تزامن انتخاب ترامب كرئيس للولايات المتحدة مع اعتماد مجموعة الأهداف الصينية الجديدة، وتحقيق هذه الأهداف سيجبر الولايات المتحدة على التخلي عن السيطرة الجزئية على الاقتصاد العالمي. من الممكن في هذا الصدد أن نفترض أن الظروف الموضوعية والذاتية قد تطوّرت نحو مواجهة عالمية جديدة، إضافة إلى أن أول ضربة تلقتها الصين كانت من إدارة باراك أوباما.
لكن الغرض لا يكمن فقط في زيادة عدد المشاركين في المنتدى أو توسيع تمثيلهم الجغرافي، فقد تغيّرت طبيعة الحدث والمبادرات. كانت مبادرة “الحزام والطريق” في البداية، قبل بضع سنوات، تعتبر مشروعاً للنقل والبنية التحتية والاستثمار، ثم أُجريت التقييمات الرئيسية فيما يتعلق بمدى تنفيذ المشروعات الاستثمارية للمبادرة، وكيفية زيادة التجارة البرية بين الصين وأوروبا ودمج القدرات اللوجستية والإنتاجية المرتبطة بها في روسيا وكازاخستان والصين. لم تعلق هذه المهمّة بالطبع، فالجسر البري الأوراسي واضح على خارطة التجارة الدولية، رغم أنه لا يشكل منافسة جادة على طرق التجارة البحرية. علاوة على ذلك، يؤمّن التعاون بين روسيا والصين في إطار تنفيذ إستراتيجية الحزام والطريق مساهمةً كبيرة في تنمية آسيا الوسطى. ويتيح النهج التكميلي لموسكو وبكين تجاه المنطقة إزالةَ كل الشكوك حول المنافسة بينهما، ويمكن اعتبار المشروع الذي يربط بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومبادرة الحزام والطريق قصة نجاح، فقد تمّ في أيار عام 2018 توقيع اتفاقية تعاون بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والصين، ما يسمح بمواصلة تطوير التعاون في مجموعة واسعة من القضايا. ولكن الأمر الأهم هو أن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي تصرف بموجب هذا الاتفاق كأحد الأطراف كامل العضوية، ما عزّز مكانته بشكل كبير في الساحة الدولية ككل.
وإضافة إلى الإنجازات الواضحة، كشف المنتدى في بكين عن تغييرات إستراتيجية في مفهوم الحزام والطريق بأكمله، واتفق معظم المتحدثين على توسيع المفهوم ليشمل مكاناً للتفاعل الدولي المكلّف بإنجاز مهام التطوير على أساس عالمي إلى جانب الإبقاء على معناه الأساسي كمشروع. كان هذا بنداً أساسياً خلال الجلسة الافتتاحية لمجلس شبكة معاهد أبحاث الحزام والطريق الذي عُقد يومي 23 و25 من نيسان الماضي على هامش المنتدى. شارك في جلسة العمل تلك ممثلون عن 16 مؤسسة بحثية ليمثلوا منظمات بحثية من جميع أنحاء العالم.
كان من الواضح منذ عام أن السبب الجذري للمواجهة بين الولايات المتحدة والصين هو أن بكين قدّمت، لأول مرة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، للبلدان النامية مصدراً بديلاً للموارد اللازمة لتنميتها. فقبل 10 إلى 15 عاماً، لم يكن أمام أي حكومة في آسيا أو أفريقيا أو أمريكا اللاتينية سوى تقديم طلب إلى صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي للاستثمار، أما الآن باستطاعتها الاعتماد على صناديق الحزام والطريق. يُشكّل هذا البديل تهديداً مباشراً لمكانة الولايات المتحدة وحلفائها، إضافة إلى أنه أنقص عموماً من قدرة الغرب على الحفاظ على هيمنته باستعمال القوة العسكرية. احتاجت الصين إلى التخلي عن المبادئ الأساسية لاقتصاد السوق، ثم عملت في فضاء مفتوح وشفاف موجّه نحو السوق. بمعنى آخر، فهي تلعب لعبة الغرب نفسها. وهذا بلا شك هو العامل الأكثر أهمية في تحديد طريقة سير العالم في أعقاب الاضطراب الحالي. إن نجحت الصين في مسعاها فإن العالم سيشكّل تدريجياً قطبين مستقرين من القوة، وسيتمكن اللاعبون الصغار والمتوسطون من اختيار التوجّه لأي من هذين القطبين، وستكون القوى العظمى، روسيا والهند وربما أوروبا، قادرة على مجاراة الولايات المتحدة والصين للحفاظ على استقرار دولي نسبي.