رغم تحسن وتعافي الواقع الإنتاجي تحديــــات كبيــــرة تواجــــه القطــــاع الزراعـــي والاســــتثمار ضـــرورة ملحـــــة
ريف دمشق – عبد الرحمن جاويش
أثرت العديد من قطاعات الإنتاج والاستهلاك في محافظة ريف دمشق بتبعات أزمة الحرب، فبعضها يعاني من أزمات خانقة على الصعيدين الإداري والاقتصادي حتى وصل بها الأمر إلى التوقف أو الانهيار شبه التام، ويعتبر القطاع الزراعي من أهم القطاعات المنتجة في المحافظة، وتشير العديد من التقارير المحلية أن العامل الزراعي كان يشكل أحد أهم الدعائم والركائز المالية لخزينة الدولة، عن طريق عائداته المالية الكبيرة التي كانت تشكل ما يقارب ثلث الخزينة العامة، وتقدّر بمئات الملايين كل سنة، فمحافظة ريف دمشق ذات مناخ جيد، وتمتلك مقومات جيدة لنمو وتطور القطاع الزراعي، من خلال توفر المناخ المناسب، والأرضية الخصبة، وكميات المياه اللازمة بعلاً ورياً، حيث تمتد الأراضي الزراعية الخصبة على مساحات واسعة من المحافظة، إضافة إلى الأشجار المثمرة، عدا عن توفر مساحات زراعية شاسعة في مناطق الزبداني وسرغايا ووادي بردى، أما اليوم فالقطاع الزراعي يعاني العديد من المشاكل التي لا تنتهي والتي كان لها تأثير كبير على الوضع المعيشي للسكان بالمقام الأول، والمزارع ثانياً.
تحديات
مجموعة من الفلاحين تحدثوا للبعث حول الواقع الزراعي، حيث قالوا: منذ السنوات الأخيرة التي سبقت الأزمة، كان القطاع الزراعي يواجه مشاكل لم يتم حلها، وخاصة المتعلقة بتجزئة الأراضي بسبب الإرث، وندرة الأراضي الزراعية، وعدم تلبية الطلب المتزايد عليها، وارتفاع أسعارها، مع انخفاض العوائد الاقتصادية من استثمارها، وكذلك انتشار الزراعة التقليدية الموروثة، وعدم تطبيق تعليمات الإدارة السليمة للموارد، وعدم التمكن من اقتناء التقنيات الزراعية لارتفاع أسعارها، وعدم تحقيق الكفاءة من تشغيلها في ظل صغر حجم الحيازة؛ ما يسبب تدهور الخصوبة، وتملّح بعض الأراضي، وتراجع إنتاجها. وفي ظل الأزمة تعاظمت هذه التحديات، وزاد التعدي على الأراضي الزراعية، سواء بالتحطيب الجائر، أو بالتوسع السكني، والصناعي، والحرفي، وإقامة منشآت لاستثمار الثروة الحيوانية، وتفاقمت مشاكل استثمار الأراضي، وأصبحت بحاجة لمشاريع وبرامج متخصصة لمعالجتها، وطالب مزارعو ومربو الثروة الحيوانية في ريف دمشق بحفر آبار جماعية للري، وتأمين آليات لاستصلاح الأراضي الزراعية، وتأمين الأدوية والمبيدات الحشرية، وزيادة مادة المازوت، والمقنن العلفي للثروة الحيوانية، كما تحدثوا عن الواقع الزراعي في مناطقهم التي يوجد فيها ما تبقى من الزيتون والتين والكرمة والكرز والتفاح واللوز وغيرها من الأشجار المثمرة، وجميعها تعاني اليوم من تسلّط العديد من الآفات والحشرات عليها، فنحن لم يعد لدينا اليوم الإمكانات اللازمة لرش الأشجار بالمبيدات، وهذا الأمر انعكس بشكل كبير على إنتاج هذه الأشجار، أما على صعيد المزروعات الحقلية فتحسنت نوعاً ما نتيجة الهطولات المطرية هذا العام، ولكن تبقى المعاناة قائمة لأن استخراج المياه الجوفية يحتاج لإمكانيات كبيرة، ويرى المزارعون ضرورة تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي من الأسمدة والبذار والمحروقات في مواعيدها المحددة وإجراء الرقابة على فعالية الأدوية الزراعية وأسعارها، والعمل على تذليل الصعوبات التي تعترض سبل تأمينها.
دعم ومتابعة
من جانبه الدكتور علي سعادات مدير زراعة دمشق وريفها توقع عودة النشاط الزراعي إلى سابق عهده، بل أفضل ليسهم في تعبئة سلة خضار المنطقة الجنوبية من القطر ويدعم الاقتصاد الوطني. في المحصلة، وعلى الرغم من سنوات الأزمة القاسية والأعمال الإرهابية فإن فلاح ريف دمشق متمسك بزراعة أرضه، إذ يتكلف رأسمال كبيراً جداً لقاء زراعة أرضه، وهو لا يعرف إن كان سيجمع مردود ثمارها في نهاية الموسم أم لا، وهذا دليل إصرار على التمسك بعطاء الأرض، وتحدٍّ للأزمة التي عصفت بالبلاد، ما يجعل دعم هذا الفلاح بكل الوسائل والإمكانات المتاحة أولوية لإسهامه في إحياء الأرض وتأمين لقمة العيش ودعم الاقتصاد الزراعي، مشيراً إلى أن الاهتمام بالقطاع الزراعي وتأمين كافة متطلبات النهوض به هو من أولويات برامج الحكومة، وذلك من خلال تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي واستصلاح الأراضي وتقديم قروض ميسرة للمزارعين والاهتمام بالأشجار المثمرة والحراجية وبالمشاتل والغراس وصولاً إلى إنتاج غراس ذات مردود اقتصادي.
كما أشار إلى تحسن نسب تنفيذ الخطط الزراعية خلال العام الفائت والحالي فإن مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية عادت إلى الاستثمار بعد القضاء على الإرهابيين فيها، كما هي الحال في مناطق النبك ويبرود ومعلولا وجبعدين وحوش عرب وعين التينة ورنكوس وقسم من الغزلانية والسيدة زينب وعقربا وحجيرة وغيرها، وتمسك المزارعين بأرضهم وعدم الخروج منها رغم كل التحديات، والدعم الكبير الذي تقدمه الحكومة للمزارعين في المحافظة من خلال تأمين مستلزمات الإنتاج الأمر الذي أدى إلى تحسين الواقع الزراعي في المحافظة بنسبة 30%، مبيناً أن المديرية وضعت خطة متكاملة لزراعة كل الأراضي، حيث كانت المساحة التي خارج السيطرة 33 ألف هكتار، وخلال العام الماضي زرعنا منها 10 آلاف هكتار، وزاد عدد المداجن لحوالي 187 مدجنة بعد أن كانت متوقفة، وتم حصر الثروة الحيوانية وتقديم كافة الخدمات والتلقيحات التي تحتاجها، وفي مجال التشجير المثمر كان هناك زيادة في عدد الغراس المثمرة لتعويض الأضرار التي لحقت بها وخاصة في الزبداني والقلمون وغيرها.
الرؤى والغايات
وفي ذات السياق تحدث محمد خلوف رئيس اتحاد فلاحي دمشق وريفها، معتبراً أن إدارة القطاع الزراعي عملية متشعبة، ولا تتم بغير التعاون مع مجموعة من الشركاء الذين يعملون جاهدين للنهوض به، والوصول إلى تحقيق الأهداف المحددة لتطويره، ويعتبر الإنسان متمثلاً بالفلاح، والمنتج الزراعي البوصلة الأساسية في تحقيق الرؤى والغايات والسياسات المحددة للقطاع، ولا يمكن تطويره إلّا بتأهيله وتمكينه من استغلال الفرص الملائمة لتحقيق الكفاءة الاقتصادية من استثماره للموارد المتاحة، ولابد من اتخاذ كل ما يلزم لدعم استقراره في الريف، والاستمرار بممارسته لنشاطه، وتعد الزراعة المحلية والخبرة المكتسبة للفلاح إرثاً ثقافياً له تاريخه والذي يمكن تطويره لمواكبة التطور العلمي الزراعي عبر التكافل والعمل التشاركي مع المهندسين الزراعيين، ويعتمد الاستثمار في القطاع الزراعي بشكل عام على مجموعة من الأدوات التي تحقق له النجاح في حال تم توظيفها واستثمارها بشكل علمي ومنظم، ولعل أهمها هي إدارة الخدمات المساعدة على تحقيق السياسات الزراعية المقررة، وتشمل البحوث العلمية الزراعية والإرشاد والتدريب والتأهيل للكوادر البشرية وتنظيم التسويق والإقراض الزراعي والدعم، ولكن لا تخلو أي عملية تنمية أو استثمار من المعوقات التي تعترض سبيلها، وتصعّب مهامها، وتعرقل نجاح أهدافها والتي يتحتم مواجهتها، وحلها للتغلب عليها.
متغيرات مناخية
وفي حديث للبعث، المهندس عبد المعين قضماني مدير الإنتاج النباتي بوزارة الزراعة، اعتبر العوامل المناخية أحد أهم الظروف المساعدة، إذ تؤثر على الإنتاج الزراعي برمته، حيث بدأت تتحسن بعض الزراعات البعلية نتيجة الأمطار الأخيرة والتي ترافقت مع تغيرات مناخية جيدة أدت إلى زيادة مردود الإنتاج الزراعي، وزيادة مساحات الزراعات البعلية، وتنامي الزراعات المروية، مضيفاً بأن القطاع الزراعي يستهلك ما يزيد عن 85% من الموارد المائية الإجمالية، وقد حسنت الأمطار الغزيرة كافة الزراعات المروية و البعلية، وبين أن المساحات المزروعة، والتي تعتمد على المياه السطحية زادت، في حين تراجعت المساحة المروية من الآبار نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات، وتوقف عدد من الآبار عن الاستثمار بسبب التخريب الذي لحق بها من جراء المجموعات الإرهابية، وسرقة المضخات من الآبار وشبكات الري الحديث، أو تخريب الآبار، أو ارتفاع أسعار المازوت، وعدم توفر الكهرباء، ولاسيما أن نسبة كبيرة تتجاوز 50% تعمل على الكهرباء.