أحزاب تركية تنسحب من “انتخابات الإعادة” لمصلحة “الشعب الجمهوري”
على خلفية قرار اللجنة العليا للانتخابات في تركيا إعادة إجراء الانتخابات البلدية في اسطنبول، الأمر الذي يمثّل خضوعاً لرغبة رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان الذي طعن بفوز المعارضة، أعلنت عدّة أحزاب تركية انسحابها من انتخابات الإعادة في مدينة اسطنبول المقرّرة الشهر المقبل لمصلحة مرشّح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو، الذي فاز في الانتخابات المحلية التي جرت في آذار الماضي. وقال الأمين العام للحزب الشيوعي التركي كمال آوكيان في تصريحات له: إن مرشحة الحزب زهرا كارا أوغلو، التي حصلت على 10492 صوتاً في الانتخابات الماضية، لن تشارك في انتخابات اسطنبول المقررة في حزيران المقبل، وناشد أنصار وأتباع الحزب التصويت لإمام أوغلو والعمل معاً لإلحاق الهزيمة الكبرى بحزب “العدالة والتنمية”. وقد تقرّرت إعادة إجراء الانتخابات البلدية في اسطنبول في الـ23 من حزيران المقبل استجابة لرغبة أردوغان، الذي طعن بفوز المعارضة فيها، بعدما كانت لجنة الانتخابات أعلنت في الـ17 من نيسان الماضي فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري إمام أوغلو برئاسة بلدية اسطنبول بفارق 13 ألف صوت عن مرشح حزب العدالة والتنمية. كذلك أعلن حزب تركيا المستقلة انسحابه من الانتخابات، ودعا أنصاره للتصويت لإمام أوغلو، بينما أعلن مرشح حزب السعادة نجدت كوكجنار، الذي حصل في الانتخابات الماضية على 103300 صوت، عن استعداده للانسحاب من الانتخابات القادمة في حال اتخاذ الحزب مثل هذا القرار.
بدورهما أعلن الحزبان الديمقراطي، الذي حصل على 22544 صوتاً، واليسار الديمقراطي، الذي حصل على 30817 صوتاً، ومرشحان مستقلان حصلا على 4443 صوتاً، أعلنوا أنهم سيتخذون قريباً القرار النهائي الخاص بمشاركتهم في انتخابات حزيران، ومن المتوقّع أن ينسحبوا لمصلحة إمام أوغلو.
وكان زعيم حزب العمال التركي أركان باش أكد في وقت سابق أن قرار اللجنة العليا للانتخابات التابعة لنظام أردوغان إلغاء نتائج انتخابات مدينة اسطنبول مناقض للدستور والقوانين، مشيراً إلى أن اللجنة بقرارها إلغاء الانتخابات أثبتت أنها لسان حال الديكتاتور في نظام فاشي خطير، داعياً كل القوى الوطنية والديمقراطية إلى التصدي للفاشية والديكتاتورية التي يقودها أردوغان ودمّرت تركيا، وقال: “إذا كانت الهيئة العليا تتحجج بعدم قانونية بعض اللجان الانتخابية، فعليها أن تلغي انتخابات 24 حزيران من العام الماضي واستفتاء 16 نيسان 2017، لأن اللجان المذكورة هي نفسها أشرفت على هذه العمليات الانتخابية التي جعلت من أردوغان حاكماً مطلقاً للبلاد ليقيم نظامه الاستبدادي الفاشي ويعلن نفسه سلطاناً عليها”، وتابع: “هزم أردوغان في انتخابات 31 آذار وعلى الرغم من أنه كان ومازال يملك كل إمكانيات الدولة، لكن الشعب سيهزمه مرة أخرى في انتخابات 23 حزيران مهما فعل”، مشيراً إلى أن “الشعب سينتخب من جديد أكرم إمام أوغلو رئيساً لبلدية اسطنبول، وسيتم الكشف قريباً عن عمليات وقضايا فساد خطيرة تورّط فيها أردوغان وكل المقربين منه، وسوف نحاسبهم على كل أفعالهم ضد مصالح الشعب التركي”.
وفي تطوّر لافت أمس، تقدّم حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في تركيا بطلب إلى اللجنة العليا للانتخابات لإلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي شهدتها البلاد في 24 حزيران الماضي، كما طالب بإلغاء نتائج الانتخابات المحلية على مستوى الأقضية في اسطنبول، التي أجريت في 31 آذار الماضي.
وقال نائب رئيس الحزب محرم مالي: “يعتمد كلا القانونين في الانتخابات الرئاسية والمحلية على التعميمات نفسها. إذا قلت: إن هناك خياراً بالانتخابات في اسطنبول، فقد وقعت الأحداث نفسها في 24 حزيران”، وأضاف: “يجب إلغاء انتخابات 24 حزيران. هناك دليل ملموس على أن الأشخاص الذين يعملون على لوحات صناديق الاقتراع كان لهم تأثير في نتائج صندوق الاقتراع، لم يتمّ الكشف عنه حتى في التماس حزب العدالة والتنمية”.
إلى ذلك، أكدت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن تركيا وفي ظل أردوغان تبتعد بشكل كبير عن الديمقراطية، وأضافت: إنه “وبعد سنوات من حكم أردوغان وميوله المتزايدة إلى التسلّط، فازت المعارضة بالانتخابات البلدية في اسطنبول، فأعطت بارقة أمل بأن الديمقراطية لم تمت في تركيا، ولكن قرار الهيئة الانتخابية العليا إلغاء نتيجة الانتخابات أطفأ هذه البارقة”، وأشارت إلى أن إعادة الانتخابات في اسطنبول ستكون ضربة لسمعة تركيا السياسية والاقتصادية في كل الحالات، موضحة أن هزيمة حزب العدالة والتنمية في المدينة التي كانت معقلاً لأردوغان شكّلت حدثاً ذا رمزية كبيرة، فقد بيّنت أن تركيا متمسكة بالديمقراطية ولكن قرار إعادة الانتخابات شوّه هذه الصورة، وأوضحت الصحيفة أن هذا القرار له تبعات خطيرة، من بينها أن الشعب التركي قد يفقد ثقته في الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وهذا سيحصل إذا فاز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات الثانية، كما أن الجيش قد يفقد صبره مع حزب العدالة والتنمية بسبب ما حدث في الماضي من إقالات في صفوفه.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاقتصاد التركي قد يتضرر أيضاً، فالتضخم في البلاد قارب الـ20 بالمئة، وأدّى خبر إعادة الانتخابات في اسطنبول إلى تراجع قيمة الليرة إلى أدنى مستوياتها منذ تشرين الأول الماضي، بينما لا يزال المستثمرون الأجانب يتخوّفون من تصرّفات أردوغان الذي نصّب صهره وزيراً للمالية بدل خبراء معروفين في الاقتصاد.