صراع أوروبي- خليجي على ليبيــــــــا
بعد حوالي أربع سنوات من العدوان الغربي على ليبيا، لم تشهد البلاد يوماً واحداً من الاستقرار، بل نجدها اليوم فريسة عدم الاستقرار والاشتباكات المسلحة بين الفصائل المتناحرة، ما أوصلها إلى شفا الانهيار. يحتدم التنافس بين الدول الأوروبية ومشيخات النفط في ليبيا التي تريد كل منها الحصول على حصتها من الكعكة، فيما تبدو مصالح الشعب الليبي بعيدة كل البعد عن اهتماماتها، وعليه تطغى على الأزمة الليبية خطابات عديدة يخدم كل واحد منها اللاعبين المتنافسين في الميدان على رفاة الجماهيرية السابقة.
إن الواقع المأساوي الذي تشهده البلاد هو صراع المصالح الدولية بين قطر وتركيا وإيطاليا من جهة، والسعودية والإمارات وفرنسا من جهة ثانية، كما غيّرت الأزمة الاقتصادية العالمية بشكل جذري العلاقات بين هذه الجهات الفاعلة لممالك الخليج، والتي تعد المصدر الرئيسي لتمويل البرامج الصناعية الأوروبية، وغدت ليبيا أيضاً مسرحاً لحرب بالوكالة بين هذه الجهات المختلفة.
في عام 2011 ، أدى تدخل قطر وفرنسا إلى انهيار نظام الحكم في ليبيا، حيث قدّمت قطر الدعم السياسي والمالي للمتطرفين الذين لم تكن مواقفهم معادية للممالك السلطوية في الخليج. من جانبها نظرت فرنسا إلى ليبيا بشكل أساسي من وجهة نظر اقتصادية، وكانت مهتمة بإمكانية تآكل هيمنة إيطاليا على سوق الطاقة المحلي وقطاع البنية التحتية، كما كان دعم فرنسا الأولي لقطر في ليبيا استجابةً لضرورة استرضاء شركائها الاقتصاديين في الخليج.
أدى استقطاب الصراع الليبي إلى تأجيج التشرذم السياسي والإقليمي، وتمثّلت ذروة المواجهة في الانقسام بين الرؤية السياسية لمشيخة قطر ورؤية الإمارات بدعم من السعودية، ووراء هذا البعد مباشرة تكمن مصالح الجهات الإقليمية الفاعلة الأخرى.
وعلى المستوى المحلي، تنقسم ليبيا بين حكومة الوحدة الوطنية ومجلس النواب، ومع ذلك تظل السيطرة على الأراضي الليبية من اختصاص المستوى الأدنى المتمثّل في عدد كبير من الميليشيات الإقليمية التي يختلف تماسكها وتوجهها السياسي من واحدة إلى أخرى، والتي ليس لديها اهتمام كبير بتحديد الحل الجماعي على المستوى الوطني، بل تركّز على المصالح المحلية.
من هنا إن إطالة أمد هذا الصراع الذي لا يستطيع أي طرف الفوز به سيؤدي إلى تدمير النسيج الاجتماعي الذي يترتب عليه، ويهدد مستقبل ليبيا كأمة، وهنا لا بد من التساؤل كيف سيعيد الليبيون بناء مشروع للحياة المشتركة. على عكس حجج مؤيدي التدخل العسكري الأجنبي الجديد الذي لن يؤدي إلا إلى تفاقم الحرب الأهلية، فإن أحد السبل لاستكشاف الأكاذيب في عمل الممثل الخاص للأمم المتحدة، برناردينو ليون، هو محاولته إشراك جميع الأطراف، بما في ذلك الجهات الفاعلة المحلية، وبعض قادة الميليشيات في جلسات الحوار الوطني، إذ يبدو أن هذه القناة الدبلوماسية تفضّل البحث عن حل سياسي في وقت يظل فيه أنصار الحل العسكري أكثر عدداً داخل ليبيا وخارجها.
هيفاء علي