تحقيقاتصحيفة البعث

مع تكرار المحاولات إعادة إحياء تربية دودة الحرير.. غياب في الخطط والرؤى وأداء صناعي وتسويقي ضعيف

شهدت تربية دودة الحرير “القز” في سورية تراجعاً كبيراً خلال السنوات الماضية بعدما كانت تعد من النشاطات الزراعية التقليدية على مدار عقود من الزمن، حيث احتلت سورية المرتبة الخامسة بين دول العالم المنتجة للحرير، واكتسب الحرير السوري شهرة كبيرة في الأسواق العالمية، ما دفع أكثر من ربع السكان في سورية، وخاصة أهالي الساحل السوري، إلى العمل بتربية دودة القز، لاسيما أن تكاليفها بسيطة، خاصة إذا وجد مكان تتم فيه عملية التربية، لكن غياب الخطط والرؤى التطويرية خلال السنوات الماضية ساهم في تراجع تربية دودة القز، وندرة المربين، لاسيما بعد توقف معمل الحرير الطبيعي الوحيد في الدريكيش الذي كان الشعرة التي قصمت ظهر هذه الصناعة التي تقوم الحكومة اليوم بإعادة إحيائها من خلال مشروع متكامل يضمن توفير الشروط المناسبة لإيجاد آلاف فرص العمل في مجال تربية دودة الحرير، وصناعتها، وتسويقها.

صعوبات بالجملة

المربي نزار حسن قال: وزعت مديرية الزراعة دود القز مجاناً في الطور الثالث، وقمنا بتربيته باتباع الإرشادات التي زودتنا بها المديرية، مبيّناً أن أهم مشكلة واجهته أثناء عملية تربية دودة القز هي عدم توافر الأدوات اللازمة كالجوني “الكرينة”، ما أجبره على الاستعاضة عنها بعلب كرتونية لوضع الدود فيها حتى تحولت إلى شرانق.

وطالب حسن بدعم تربية دودة القز، والعودة لها بشكل قوي، عن طريق تأمين بعض مستلزمات التربية كتأمين شرانق الحرير في الوقت والمكان المناسبين، بالإضافة إلى تأمين مستلزمات الإنتاج الضرورية مثل النول اليدوي الذي يمكن أن يوفر الجهد والتعب الكبيرين، وتأمين التسويق الداخلي والخارجي لمنتجات الحرير الطبيعي.

بدوره، أكد المربي زهير علي أن تربية دودة القز كانت في السابق مورد رزق مهماً لعدد كبير من الأسر في الريف، إلا أنها أصبحت اليوم عملاً شاقاً بسبب عدم وجود ظروف مناسبة للتربية، ناهيك عن قلة توافر أشجار التوت البلدية السليمة من الأمراض، ما جعل المربين يلجؤون إلى موارد زراعية أخرى باستبدال أشجار التوت بغراس الزيتون، والحمضيات، والتبغ، كما أشار علي إلى أن الصقيع هو أكثر ما يهدد تربية دودة القز، ما يتطلب من المربي أن يحافظ على درجة الحرارة والرطوبة في جميع أوقات السنة، مبيّناً أن التربية تتم في ثلاثة فصول هي الربيع وهو أفضل فصول السنة للتربية، والصيف، والخريف.

المربي أكرم عبد الله أكد أنه بالإضافة إلى صعوبات العمل بتربية دودة القز، هناك صعوبات إضافية تتعلق بعدم وجود أسواق لتصريف الحرير، الأمر الذي يضاعف من معاناة المربين الذين يعتمدون على هذه التربية كمورد رزق لهم، مطالباً الجهات المعنية بإيجاد قنوات للتسويق الداخلي والخارجي.

أسباب التراجع

الخبير الاقتصادي عبد الله سليمان أوضح أن من أهم أسباب تراجع تربية دودة الحرير في محافظة اللاذقية منافسة الحرير الصناعي للحرير الطبيعي، وارتفاع تكاليف إنتاج الحرير، ومنافسة بعض الأشجار المثمرة: (حمضيات– زيتون- تفاح)، والتوسع بها على حساب شجرة التوت، وصعوبة تسويق منتجات الحرير.

وبيّن سليمان أن العمل بتربية الحرير في سورية لايزال يعتمد على الأساليب التقليدية، يضاف إلى ذلك استبدال تربية دودة الحرير في المحافظة بزراعة محصول التبغ، واقتصار التربية سابقاً على موسم واحد، لافتاً إلى أن توقف شركة الحرير الطبيعي التابعة لوزارة الصناعة، ومعمل الحرير التابع للقطاع الخاص، كان له الأثر السلبي الكبير في تراجع إنتاج الفلاحين من الشرانق، وكان لهما الدور الكبير بمهمة تسويق شرانق الحرير، وبيع الخطوط الحريرية الناتجة في السوق المحلية.

وحول طريقة تربية دودة الحرير، شرح سليمان أن دودة الحرير لكي تنتج الحرير تحتاج على الأقل 10-15 شجرة توت لتغذية الديدان متوسطة الحجم، ويعد هذا أقصى ما تتطلبه التربية من تكلفة، عدا عن مساحة المكان المناسب للتربية، وأضاف: تتم عملية حل الحرير بحصول المربي على خيوط الحرير، وهذا يتم بطبخ الشرانق على النار لإذابة المادة الصمغية، وعملية الطبخ يجب أن تتم أولاً بغلي الماء، ثم وضع الشرانق فيه على هيئة طبقة واحدة تغطي سطح الماء في وعاء الطبخ، مع تقليبها بالمصفاة بشكل مستمر لمدة 10 دقائق، حيث يتحول لون الشرانق الأبيض الناصع إلى أبيض معتم، ثم تمرر الفرشاة على سطح الشرانق لشد أوائل الخيوط مع رفع الشرانق بواسطة المصفاة الممسوكة باليد الأخرى، وتابع سليمان: ثم تنقل إلى حوض الحل مع تعليق أوائل الخيوط في مسمار بجانب حوض الحل، ويجب على المربي أن يختار ما بين 20 إلى 25 شرنقة معاً من الشرانق المطبوخة، وتشد خيوطها معاً باليد إلى دولاب خاص لنحصل على خيوط الحرير.

خطة حكومية للتربية

الدكتور إياد محمد، رئيس دائرة وقاية النبات في مديرية زراعة اللاذقية، أكد أن دائرة وقاية النبات في مديرية زراعة اللاذقية، بالتعاون مع دائرتي الحراج والإنتاج النباتي، تمكنت من زراعة مساحة 10 دونمات بـ 4000 غرسة من غراس التوت الهندي والياباني، ويأتي ذلك في إطار الخطة التي وضعتها وزارة الزراعة لإحياء تربية دودة الحرير في سورية.

وبيّن محمد أن غراس التوت التي تمت زراعتها في تجمع الهنادي الزراعي لمركز الحرير للزراعة من شأنها أن تؤمن أوراق التوت اللازمة لتغذية اليرقات التي ستتم تربيتها وإنتاجها في مركز الحرير التابع لدائرة الوقاية.

وأضاف محمد: كما سيتم توزيع علب البيض المنتجة في مركز الحرير على المربين مجاناً بعد أن يتم تفقيس هذه البيوض، وتربية اليرقات لتبلغ العمر اليرقي الثالث، وذلك لضمان نسب تفقيس عالية، وتلافي حدوث مشاكل لدى المربين في الأعمار الأولى.

وأوضح محمد أنه تم مؤخراً تركيب آلة صينية لحل وغزل خيوط الحرير في مركز الحرير، حيث سيتم حل الشرانق، وغزل خيوط الحرير مجاناً للمزارعين، إذ تعد هذه الخطوة حجر الأساس في طريق الوصول لتربية دودة الحرير ذات الجدوى الاقتصادية.

دورات لدعم المربين

المديرة التنفيذية للشركة السورية للحرف التابعة للأمانة السورية للتنمية زينة ديبة قالت: انطلاقاً من عقيدة المؤسسة في أن التنمية هي سلاح التغيير من خلال إيجاد الفرص، وليس منح المساعدات، توجهت السورية للحرف في النصف الثاني لعام 2017 نحو إحياء حرفة الحرير الطبيعي، وتربية دود القز، لما لهذه الحرفة من أهمية تاريخية تعبّر عن معالم الحضارة السورية الممتدة لآلاف السنين.

وأضافت ديبة: استكمالاً لهذه البداية كان التوجه خلال أيار 2018 لإقامة دورة تدريبية ثانية لمربي دود القز الذين تضاعف عددهم عما كان عليه خلال عام 2017، مبيّنة أن الخطوات التي تقوم بها الأمانة السورية للتنمية تحقق تمكيناً حقيقياً بنتائج مستدامة عبر تطوير إمكانيات الأفراد ليكونوا قادرين على إيجاد فرص جديدة لهم ولمجتمعاتهم.

كما أشارت ديبة إلى أن هدف المؤسسة هو إحياء الروح المتجددة في الحرف اليدوية السورية، وفتح الآفاق للحرفيين، إيماناً من القائمين على المؤسسة بأن إيجاد الفرص وليس منح المساعدات هو الأساس لتنمية الأفراد والمجتمعات.

وبيّنت ديبة أنه في دورة حل خيط الحرير عام 2017 شارك 20 مربياً من أصل 30 على مستوى اللاذقية، وشكّل ذلك نقلة للمشاركين ليدخلوا حيز الإنتاج، وكان الإنتاج بسيطاً بالنسبة للمربين، حيث لم يتجاوز 22 كيلوغراماً، مضيفة: في حين شارك بدورة حل خيط الحرير عام 2018 30 مربياً على مستوى اللاذقية، لكن النسبة متفاوتة بالنسبة لإجمالي المربين لعام 2017، حيث تجاوز عددهم 80 مربياً مقارنة مع 30 عام 2017.

ولفتت ديبة إلى أن المتدربين يتطلعون بالدرجة الأولى من خلال عملية تربية دودة القز لتحقيق دخل يساعد على مجابهة تحديات الحياة، إضافة إلى كون معظمهم من الموظفين الحكوميين من الدرجة الثانية والثالثة، وجرحى الجيش العربي السوري، وبالتالي يعتبر مشروع تربية دود القز مبدئياً مشروعاً متناهي الصغر بالنسبة للعاملين فيه، كونه يحقق دخلاً يتراوح بين 50 إلى 150 ألف ليرة سورية خلال مدة لا تتجاوز الشهرين، ويحتاج إلى عدد ساعات عمل يومية تتراوح بين 3 إلى 4 ساعات يومياً.

باسل يوسف