تحقيقاتصحيفة البعث

لوقف تداولها العشوائي المنتجات والمستلزمات الإنتاجية.. انتشار دون رقابة أو تراخيص وحلول بعيدة عن شروط السلامة الصحية والبيئية

لايزال التداول العشوائي غير المضبوط للمنتجات وللمستلزمات الإنتاجية قائماً برغم انحساره النسبي ذلك أن تشديد إجراءات الرقابة الصحية والتموينية يمكن أن يحدّ منها عندما تطالها المظلة الرقابية وهنا نكون أمام واقعة تسطير ضبط بالمخالفة المضبوطة في حين أن معالجة المسببات تبقى خارج الذراع الرقابية لأنّها غير منظورة أو أنها مجهولة بالأساس لتعمّد المخالفة سبيلاً للربح على حساب المواصفة والجودة والشروط التصنيعية، وهذا كله يعيد القضية إلى أساس المنشأة أياً كانت للتوزيع أو للإنتاج والتصنيع أي الترخيص الإداري ومنظومة الكشف والتحليل، ومن ثم مقاربة المنتج للسعر الواقعي الذي يوازي التكلفة الإنتاجية، وهنا فمن المحتمل جداً وهذا ما يحصل غالباً أن تخرج المواد المغشوشة والمنتجات المخالفة إلى مقاصدها التسويقية بأسعار جاذبة وخادعة للمستهلك الذي يمكن أن يقع في الفخ لدى بحثه عن السعر الأنسب له ولدخله مجرياً المقارنات بين منتجات متشابهة ومتماثلة في ظل التداول العشوائي للمنتجات وتحكّم الحلقات الوسيطة بها سعراً ومواصفة وتسويقاً دون تحمّل أية مشقة في كشف سرّ الفارق بين الأسعار المنخفضة الوهمية وبين التكاليف الإنتاجية المرتفعة التي يدفع ضريبتها المستهلك لأن هذه المنتجات الضرورية للاستهلاك اليومي تباع للمستهلك بأسعار متباينة بين هذا المحل وذاك، وكثيراً لايكون السؤال مجدياً عن سبب التباين لأن الباعة يتبارون ويتباهون بجودة منتجهم مقارنة مع غيرهم، وهذا يثبت أن هذه المنتجات خارج القيود الرقابية والسعرية والإجرائية أمام عجز واضح عن ضبطها من قبل المؤسسات التي تقف لا حول ولا قوة لأن سقف تدخلها لا يتعدى تسطير الضبوط وأخذ العيّنات وتسجيل الإنذارات وكلها إجراءات قاصرة ومنقوصة، وهذا ينسحب على جميع السلع والمواد ما يثير الدهشة والاستغراب.

إلزام المحال
ومما لا شك فيه أن هناك محلات تجارية ومنافذ إنتاجية صغيرة تزاول عملها دون حصولها على الترخيص الإداري الضروري والمطلوب بشكل أساسي لتتمكن من مزاولة العمل التجاري والمهني، ولا نبالغ إذا قلنا إن عددها ليس قليلاً في مدينة اللاذقية بفعل التراكم الزمني ولا يخفى أيضاً أن البعض من أصحاب هذه المحلات غير المرخصة لا ينظرون بارتياح لإلزامهم بالترخيص لأن هواجسهم ومخاوفهم وحساباتهم لا تتخطى حدود حساب الدخل التجاري المادي و”درج الغلّة” دون النظر إلى الموضوع بأفق أوسع من نظرتهم المادية ودون التفكير بأهمية ضوابط العمل الإداري والخدمي والرقابي، في الوقت الذي تجري فيه حالياً عملية منح التراخيص الإدارية للمحلات التجارية ومحلات مزاولة المهن في مدينة اللاذقية من خلال برنامج أطلقته مديرية المهن والشؤون الصحية في مجلس مدينة اللاذقية عبر جولات يومية لإنجاز المسح الشامل لهذه المحلات والمنشآت.
وفي متابعة لـ “البعث” في مديرية المهن والشؤون الصحية في مجلس مدينة اللاذقية فقد بيّن المهندس عمار إسماعيل مدير مديرية المهن والشؤون الصحية في مجلس مدينة اللاذقية أن العمل الذي تمت المباشرة به هو الأول من نوعه من حيث الشمولية والهدف والإجراءات الميسّرة المتبعة إذ يتم منح التراخيص الإدارية الضرورية والمطلوبة للمحال غير المرخّصة لأجل تسوية وضعها وعملها وفق محددات الترخيص الإداري لمجال عملها.

صيغة ناظمة
ويؤكد المهندس إسماعيل أن التراخيص الإدارية هي الصيغة الناظمة لعمل المحال لجهة استيفاء سلامة عملها بموجب ترخيص إداري يجعلها بمنأى عن المخالفة الإدارية ورفع سوية العمل الرقابي والاهتمام بنظافة الأسواق والمحلّات العامة والتأكيد على تقيّدها بالشروط الصحية والقوانين والأنظمة بما يخدم صحة المواطن والصالح العام مبيّناً أن منح التراخيص تشمل المحال داخل المخطط التنظيمي وخارجه وأن ما تمّ تنفيذه خلال الربع الأول قارب نحو 450 محلاً بمختلف المهن، وبلغ عدد طلبات الترخيص الواردة إلى مركز خدمة المواطن 229 طلباً للترخيص الإداري.

للسلامة الصحية
وأكد إسماعيل أهمية الترخيص الإداري في تعزيز شروط السلامة الصحية والبيئية وتنظيم مزاولة العمل وفق الأنظمة والقوانين وتحقيق عائدات وإيرادات مستحقة لمجلس مدينة اللاذقية، والوصول إلى المسح الإحصائي الشامل عن العدد الكلي للمحال ومجالات وقطاعات عملها ومنتجاتها، وهذا من شأنه تحقيق خدمة عامة وشاملة لهذه المحال نفسها لتعمل جميعها بصورة منتظمة وفق التشريعات والقوانين، وهذا ضروري وبالغ الأهمية للحدّ كثيراً من المخالفات بأشكالها المختلفة، ووفق معايير ومقاييس وضوابط مزاولة المهنة من خلال برنامج متكامل يجري تنفيذه بجرد المحال ضمن المدينة وضبط عملية ترخيص المحال غير المرخصة وفق الأصول والقوانين ومتابعة الوضع في مركز خدمة المواطنين، وقد تم مؤخراً إنجاز العديد من الأعمال في محاور وقطاعات لتنظيمها بالشكل الكامل، كما تقوم المديرية بجولات مستمرة على محلات المهن الغذائية وضبط المخالف منها للشروط الصحية.

ضبط التداول العشوائي
ولا تقتصر ظاهرة التداول العشوائي على المنتجات والسلع الغذائية بل تطال بعض مستلزمات الإنتاج الزراعي، وهذه القضية بالغة الحساسية أيضاً لأنها ترتبط بالإنتاج النباتي ويناط بدائرة الوقاية في مديرية زراعة اللاذقية مراقبة حركة هذه المستلزمات سواء قبل دخولها كإرساليات زراعية عبر الحرم المرفئي الجمركي من خلال مركز الحجر الصحي والنباتي أو من خلال مراقبة حركة تداول المبيدات والأدوية الزراعية وغيرها من مستلزمات إنتاجية وحول آلية مراقبة هذه الإرساليات والمنتجات أوضح الدكتور إياد محمد رئيس دائرة الوقاية في مديرية زراعة اللاذقية أن لجنة الحجر في المنطقة الحرة تكشف على الإرساليات العابرة والمرفقة إلى أمانة جمركية داخلية في حين يجري تعقيم إرساليات المواد النباتية الصادرة والواردة في محطة التعقيم بإحدى الوسائل: تعقيم حراري بواسطة العزل للطبالي الخشبية- فوستوكسبن وبروميد مثيل، أما مخبر صحة البذور فيجري اختبارات لبذور الأعشاب والنياتودا والأمراض واختبارات الإنبات والحيوية للإرساليات الواردة إلى القطر من مختلف المحافظات. وأوضح د. محمد أن الحجر الصحي النباتي ضرورة بيئية وصحية لكل الواردات والصادرات لأنه يكفل التثبت من جودة الإنتاج الزراعي وتزويد السوق المحلية بمنتجات زراعية محققة لمعايير الجودة صالحة لاستعمالها مواد أولية في الصناعات الزراعية، وبالتالي يدعم زيادة الصادرات، مبيّناً أنّ الكشف عن مسببات الأمراض والحشرات الضّارة بالمواد والمنتجات النباتية يعدّ ركناً أساسياً للحفاظ على استقرار الإنتاج إضافة إلى الحفاظ على نظام بيئي زراعي صحي متوازن، وأشار إلى الأولوية المستمرة لتفعيل الحجر الصحي النباتي الشامل من خلال حزمة تشريعات وإجراءات ناظمة لحركة نقل المواد الزراعية، سواء النباتات أو المنتجات النباتية من أجل منع وتأخير انتشار الآفات والأمراض إلى مناطق خالية منها، وهذا بدوره يؤدي إلى حماية الإنتاج النباتي من الآفات والأمراض غير المرغوب بها.

الكشف على الإرساليات
ولفت د. محمد إلى تطبيق الإجراءات الحجرية بالتعاون بين مركز الحجر الزراعي ومديريات الجمارك من خلال عرض كافة النباتات والمنتجات النباتية الخاضعة للوائح على فنيي وقاية النبات المفوّضين، وذلك لإجراء عمليات التفتيش على الإرساليات الواردة وتتنوع إجراءات تفتيش البضائع المشحونة تبعاً لعوامل عدة منها: بلد المنشأ ونوع السلعة وحجم الشحنة والشروط التي يجب على المستورد استيفاؤها وتطبيقها.

التقيّد بشروط التداول السليم
هنا يكمن دور وواجب أصحاب الصيدليات الزراعية والبيطرية، وغيرها في التقيد بشروط التداول السليم والمضبوط لمثل هذه المواد حرصاً على الفلاح والأشجار والبيئة والانسان، ولاسيما إذا علمنا أن الإنتاج الزراعي يواجه بالأصل العديد من التحديات في ظل الظروف الراهنة التي أفرزتها الأزمة والتي تلقي بظلالها على المستلزمات والمحاصيل والأسعار، ما يقتضي تضافر جهود الجميع من كل الفعاليات لتفادي مثل هذه التحديات والتغلب عليها بما ينعكس إيجاباً على مؤشرات الإنتاج الزراعي نوعاً وكماً واستقراراً.

تفعيل المخبر البيطري
من الضروري في هذا السياق أن نشير إلى المطالبة المتكررة للأطباء البيطريين في محافظة اللاذقية بإحداث هيئة عامة للثروة الحيوانية لدعم قطاع الإنتاج الحيواني، وتأمين ومراقبة مستلزماته واحتياجات تطويره وضرورة تسهيل وتخفيف إجراءات الترخيص لمنشآت تربية الثروة الحيوانية ومنشآت الإنتاج الحيواني، والتوسع وإحداث صندوق دعم لمربي الأبقار وتفعيل المخبر المركزي في المحافظة وتشديدهم على ضبط التداول العشوائي للأدوية البيطرية وأثره السلبي على قطعان الثروة الحيوانية وتحديث مسلخ الثروة الحيوانية والدواجن ومراقبة سلامة عمليات نقل اللحوم وإحداث مسلخ فني للدواجن على مستوى المحافظة وتوزيع لقاحات الدواجن مجاناً، وتفعيل إجراءات تنمية الثروة الحيوانية ودعم المربّين ومحاسبة المتلاعبين والمتاجرين بالثروة الحيوانية والتوسع بإنشاء مزارع بحرية للأسماك، والحد من مظاهر تهريب الثروة الحيوانية، وهنا ينبغي الإشارة الجادة والواضحة إلى أن التهاون في ضبط تداول منتجات الثروة الحيوانية زاد من جشع التجار وراء الربح غير المشروع، وبالتالي تأجيج لهيب الأسعار في الأسواق المحلية.

احتساب التكاليف الإنتاجية
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تبقى تكاليف الإنتاج الزراعي الحلقة الأضعف في معايرة مؤشرات الجودة لأن عدم احتساب هذه التكاليف وتعميمها وترويجها يشكّل ثغرة كبيرة يستغلّها التاجر والمصنّع المنتج ممن يتداولون المنتجات بحسابات ربحهم المضاعف الذي يقتنصونه من المزارع والمربّي المستحق الفعلي لهذا المردود المفقود الذي من الممكن استعادته واستدراكه فيما لو أخذت المؤسسات المعنية، ولاسيما الإنتاجية دورها المنوط بها في حساب كلفة إنتاج المادة أياً كانت وفق المؤشرات الطارئة على ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج، وأن تعممّ بشكل رسمي وفعلي ودوري الكلفة الإنتاجية على كل الجهات والمؤسسات والمراكز التي تتداول العملية التسويقية.

تداول الأسماك
مع اقتراب فصل الصيف الذي يحمل معه تزايداً في درجات حرارة الجو فإن المسألة تغدو أشد حساسية لأن الحرارة تسرّع في نفاد مدة صلاحية استهلاك المنتجات الحيوانية، وبالأخص الأسماك عالية الحساسية والتأثر بعامل الجو، وهذا ما يخشى منه عند التداول العشوائي للأسماك، سواء على قارعة الأرصفة أو العربات الجوّالة، وتكمن خطورة هذا التداول العشوائي بما يمكن أن يتسبب به من أضرار صحية وبيئية جراء تعرّض الكميات المكشوفة المتداولة للحرارة الشديدة ساعات طوالاً، وبالتالي قابليتها الشديدة للتلف السريع كونها تفتقر كلياً لشروط الحفظ السليم والتبريد الضروريين، علماً أن البيع العشوائي للسمك خارج السوق مخالف لشروط السلامة الصحية والبيئية، وأن المحال النظامية الموجودة في سوق السمك الحالية وعددها نحو 35 محلاً هي المنافذ المرخّصة لبيع السمك، سواء البيع المباشر للمستهلكين أو للمطاعم والفنادق السياحية أو عن طريق البيع بالمزاد المباشر.
مروان حويجة