على ماذا يُراهن ترامب؟
بكل تأكيد لا يستطيع البلطجي ترامب فهم لماذا ترفض إيران شعباً وقيادة التفاوض معه، رغم أنه وجّه لها مؤخراً دعوة صريحة بهذا الخصوص، كما أنه قام خلال العامين الأخيرين بإحدى عشرة محاولة للتفاوض، رفضها الإيرانيون كما كشف رئيسهم روحاني.
يعتقد الرئيس الأمريكي القادم من عالم “البزنس” أنه بعد استخدام عصا العقوبات والحصار، واستعراض عضلات القوة العسكرية، والتهديد والتهويل، سيكون لتأثير جزرة التفاوض تأثير ملين ينهي شدة الرفض الإيراني، ويدفع الإيرانيين إلى استغلال ما يبدو أنه فرصة ذهبية يقدّمها ترامب لهم في غلاف من الوعود السخية. ومن الواضح أن ما يسعى ترامب إليه جاهداً، ويستخدم في سبيله سياسة العصا والجزرة هو الوصول إلى تفاهم نووي ثنائي مع إيران تنازل بموجبه عن التكنولوجيا النووية، ولاسيما بعد أن تأكد أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي لم يقد إلى انهياره، ولا إلى انسحاب أي طرف آخر منه بما فيهم إيران التي تمسكت به، وبما تقرر لها فيه من حقوق والتزامات أثارت حفيظة الصهاينة الذين اعتبروا أنها ستمكّن طهران من تحقيق أهدافها النووية العسكرية، فشنوا حملتهم المعروفة على الاتفاق، وكانوا وراء الانسحاب الأمريكي منه…
يعرف ترامب جيداً أن الولايات المتحدة جربت، على مدى أربعين عاماً تقريباً، كل الوسائل الغليظة والناعمة لإخضاع الجمهورية الإسلامية، وتغيير نظامها المناهض للامبريالية والصهيونية، وأن إيران أفشلت كل المؤامرات الأمريكية التي استهدفتها، وخرجت منها أكثر قوة، وأكثر تمسكاً بنهجها السياسي العقائدي المقاوِم. فكيف توقّع أن يحقق ما عجز أسلافه عن تحقيقه ؟! . يرى البعض أن ما مارسه ترامب من ضغوط كاسحة على إيران، وما اتخذه من إجراءات عقابية قاسية بحقها، قد وضع الإيرانيين في مأزق كبير لن ينجحوا في الخروج منه هذه المرة إلا بالتفاهم مع الرئيس الأمريكي والاستماع إلى شروطه. لكن هذا الرأي اعتباطي وساذج، لأنه لا يقيم وزناً ولا اعتباراً لما راكمه الإيرانيون من خبرات هائلة في مواجهة هذا النوع من التحديات، ولا لتزايد السخط الشعبي الإيراني على أمريكا وفقدان الإيرانيين الثقة بها نهائياً، ولا لتغير الوضع الدولي وتعاظم قوة المعسكر المناوئ للهيمنة الأمريكية، والذي تمثّل إيران إحدى قواه الأساسية.
كل هذه العوامل تعني ببساطة أن إيران ليست في وارد الرضوخ لأي إملاءات أمريكية مهما كان حجم العصا والجزرة اللتين يلوّح بهما ترامب، ولا حتى للتفاوض معه ما دام لا يملك شيئاً من المصداقية السياسية والأخلاقية التي تؤهله لذلك.
إذاً على ماذا يُراهن هذا الرجل الذي لا يستطيع رؤية المنطقة إلا بعيون الصهاينة؟!.
هذا السؤال محيّر فعلاً، فالرهان على القوة العسكرية الأمريكية ليس منطقياً، ولن تكون أمريكا و” اسرائيل” قادرتين على تحمّل تبعات أي عدوان أمريكي على إيران، دعكم من قرع طبول الحرب التي يقوم بها بعض الخليجيين الموتورين والذين سيكونون من ضحاياها إذا نشبت. أما الرهان على تغيّر الموقف الإيراني المبدئي، فهو ضرب من القصور السياسي والاستراتيجي الفادح الذي يفسره عجز العقلية الترامبية عن فهم أن المواقف السياسية لبعض الدول كإيران ليست سلعاً تُباع وتُشترى، ولا صفقات تُبرم تحت الترهيب والترغيب…
يصعب على رجل الصفقات الأمريكي أن يفهم أنه يتعامل مع دولة لها ثوابتها السياسية والاستراتيجية التي لا تنفصل عن مرجعيتها الثقافية والأخلاقية، وأنها بالإضافة إلى ذلك، تتقن فن السياسة والدبلوماسية إلى درجة يبدو هو نفسه أمامها تلميذاً فاشلاً وبلا مستقبل.
محمد كنايسي