وعود التجار
ربما كانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك الجهة الوحيدة التي تُصدّق وعود التجار..!
التجارب السابقة تؤكد أن التجار لا يفون بوعودهم، ومع ذلك تقع وزارة التجارة في فخ “لسانهم” المعسول المرة تلو المرة..!
وعندما يغضب الوزير مما يفعله التجار بالمواطن دون أي حد أدنى من الرحمة فإنه لا يفعل أكثر من التهديد بالضرب بيد من حديد، أو مناشدة ضمير التجار..!
قبل حلول شهر رمضان بأيام قليلة وعد التجار وزارة التجارة الداخلية بعدم رفع أسعار السلع والمواد الغذائية، لكنهم نكثوا بوعدهم سريعاً ورفعوا الأسعار بنسب تزيد على 20%.. وأكثر..!
لم يترك التجار سلعة واحدة أساسية على مائدة رمضان دون أن يرفعوا سعرها، وهذا ليس بالجديد فهم مستنفرون دائماً لاستغلال المناسبات والأعياد لشفط دخل الأسرة السورية المحدود مقابل كميات قليلة من المواد يتضاءل حجمها يوماً يعد يوم وشهراً بعد شهر..!
ذريعة التجار جاهزة دائماً وأبداً: انخفاض سعر صرف الليرة أمام الدولار، وارتفاع أجور النقل بسبب شراء المحروقات من السوق السوداء.. إلخ..!.
ولو أعدنا قراءة ما صدر من تصريحات عن غرفة تجارة دمشق قبل أيام من شهر رمضان لوجدنا تناقضات تكاد تكون مقصودة أو متفقاً عليها مسبقاً..!
نائب رئيس غرفة تجارة دمشق طمأن الأسرة السورية بعبارات جازمة: الأسعار لن ترتفع في شهر رمضان..!
وبرر تأكيده الجازم بالقول: الطلب ضعيف جداً على السلع والمواد بسبب ضعف القوة الشرائية للمواطن..!
وعلى النقيض تماماً توقع عضو في الغرفة بارتفاع الأسعار بسبب سعر الصرف والوقود..!
وكشف بجرأة لا تخلو من التهديد: إذا لم يتوافر الوقود خلال شهر رمضان بأسعاره القديمة وبالشكل الكافي لعملية نقل البضائع والسلع، فإن تأثيره على سعر البضائع سيكون أخطر من تأثير سعر صرف الدولار..!
وزاد: إن سعر الوقود يؤثر بشكل كارثي في أسعار المواد في السوق، وتأثيره أخطر من تأثير تذبذب سعر الصرف على المواد لجهة ارتفاع أسعارها..!
لو أردنا المقارنة بأشهر رمضان خلال السنوات الماضية، وخاصة في العام الماضي لاكتشفنا أن مثل هذه التصريحات تستغبي المواطنين، ولا تمت إلى الواقع بصلة..
في العام الماضي كان سعر الصرف مستقراً، والوقود متوفر حسب الطلب وخاصة للتجار، ومع ذلك ارتفعت الأسعار خلال الأيام الأولى لشهر رمضان رغم المحاولات اليائسة لوزارة التجارة أن تقنعهم بالحسنى ألا يرفعوا الأسعار..!
واللافت أن التجار لا يحترمون أيام رمضان الفضيلة؛ فيستمر الكثير منهم بإغراق الأسواق ببضائع فاسدة أو منتهية الصلاحية تنجح الرقابة بضبط كميات كبيرة منها بالأطنان، في حين يتسرب منها أيضاً وبالأطنان إلى موائد الأسر السورية..!
وفي الوقت الذي نتابع فيه مبادرات “البر والإحسان” المقدمة للأسر الفقيرة و”المستورة”.. فإن الشغل الشاغل للتجار شفط المليارات خلال الشهر الفضيل دون أي وازع أو ضمير.. هذا إذا بقي لديهم القليل من الضمير..!
وبالمحصلة فإنه ما من وسيلة لدى الوزارة تتيح لجم التجار عن رفع الأسعار، فهؤلاء يعرفون جيداً أن زبائنهم مستعدون للشراء؛ لأن معظمهم مقتدر مالياً..!
ويقولونها بكل صراحة: صالات التدخل الإيجابي لا تؤثر على عملنا، بل نحن من يُزوّدها بالكثير من السلع والمواد المستوردة..!
وفعلاً.. لا آلاف الضبوط، ولا إحالة آلاف التجار المخالفين للقضاء، ولا إغلاق مئات المستودعات ألزم التجار التقيد بالأسعار المعلنة من قبل وزارة التجارة..!
نعم.. نحن في دوامة مغلقة لا مخرج منها سوى بالعودة إلى تقديم سلة غذائية للأسرة السورية من خلال البطاقة التموينية أو الذكية بأسعار مدعومة..!
علي عبود