شغف لا محدود
جلال نديم صالح
يملك أبو محمود السبعيني أحد الأكشاك الصغيرة وهو يلازم ذلك المكان ليمارس هوايته ومهنته ببيع الكتب القديمة، ومن ينظر لطريقة وضع الكتب بذلك الكم الكبير في هذا المكان الضيق يتبادر إلى ذهنه استحالة العثور على كتاب محدد في ذلك الازدحام، لكن الواقع خلاف ذلك إذ ليس عليك سوى أن تطلب عنواناً ما لتجده حالاً بين يديك لأنك أمام شخص يملك شغفاً لا حدود له بالكتب ويعرف مكان كل كتاب وكل مجلة وحتى الكثير من أعداد الصحف التي تعود لتاريخ بعيد، وسألته يوماً عن سر عشقه للكتب ولماذا امتهن هذا العمل؟ فضحك وقال: قصتي مختلفة عما اعتدت أن تسمعه ربما سمعت عن أحد الأشخاص الذين أحبوا إحدى المواد في المدرسة رغم صعوبتها بسبب حبهم لمدرس تلك المادة، أو أن أحدهم اختار مهنة والده بعد أن انتقل إليه حب المهنة، أما أنا فقد عشقت الكتب والقراءة كرد فعل لقصة سلبية عشتها في الصغر ويعود الفضل فيها لأمين مكتبة المدرسة، وأذكر جيداً المرة الأولى التي استعرت فيها كتاباً من تلك المكتبة، كنت حينها في المرحلة الابتدائية وقد كلفنا المدرس باستعارة قصة وتلخيصها لقراءتها أمام بقية زملاء الصف، وهذا هو الجانب المشرق من الحكاية، أما الجانب الآخر منها فكانت ردة الفعل السلبية لأمين المكتبة بعد أن طلبت منه الكتاب قال ماذا تريد من الكتاب ومن الذي كلفكم بهذه الوظيفة السخيفة؟ أليس من الأولى أن تهتموا بدروسكم وتبتعدوا عن الترهات الأخرى التي لن تفيدكم يوماً ولا طائل منها، تلك المرة اليتيمة التي يذكر فيها صاحب القصة أنه دخل ذلك المكان وقد عاهد نفسه منذ ذلك اليوم أن يقرأ كل كتاب يقع بين يديه، وأن يدخر من مصروفه اليومي لشراء قصص الأطفال وهذه كانت انطلاقته في عشقه للكتب، ولاحقاً تحول ذلك العشق لمهنة، وختم أبو محمود الذي استطاع أن ينقل ذلك الشغف لأولاده قصته التي تلخص الجزء الأهم من حياته كما يقول وهو يتمنى أن يكون واقع اليوم قد تغير عما عاشه سابقاً وألا يكون أمناء المكتبات في المدارس إلى اليوم يتعاملون مع عملهم على أنه فرصة للراحة والهروب من عناء التدريس، وأن حصة المطالعة ليست سوى ترف لا جدوى منه.