اقتصادصحيفة البعث

على خلفية المطالبة الشعبية والرسمية بإحداث معمل للألبان بريف دمشق تسويق مادة الحليب… بين تدني الكفاءة والافتقاد لأجهزة التعبئة 

 

 

ما يزال مربو الثروة الحيوانية من الأبقار والأغنام والماعز يواجهون صعوبات كبيرة في تصريف مادة الحليب، سواء لجهة البيع المباشر أم لجهة تسليمه لمعامل الألبان والأجبان، وقد فشلت جميع مطالبهم المتعلقة بتصريف المادة ونقلها، مع الإشارة إلى استمرار مطالبتهم الجهات المعنية بإنشاء معامل للألبان كفيلة باستيعاب إنتاجهم وخاصة مربي محافظة ريف دمشق الأكثر إنتاجاً لمادة الحليب، والتي تفتقر إلى الآن لمعمل للألبان والأجبان..!

يؤكد مدير مشروع تطوير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة الدكتور رامي العلي أن  مربي الثروة الحيوانية في بعض مناطق القطر ما زالوا يعانون من  صعوبات بالغة في تسويق إنتاجهم من الحليب نظراً لعدم وجود جهة معينة أو منشأة محددة سواء أكانت حكومية أم خاصة تقوم بتسويق إنتاجهم من الحليب يومياً، وأمام هذا الوضع فهم مضطرون إما لنقل إنتاجهم إلى المحافظات المجاورة وبيعه في الأسواق بشكل فردي، أو أن يكونوا عرضة لتجار الحليب الذين يتسوقون الإنتاج منهم بأسعار متدنية وأحياناً أقل من التكلفة، ففي كلتا الحالتين يتعرض أصحاب الحليب للمتاعب والخسارة، وهناك العديد من القصص المدهشة التي تحصل بين تجار الحليب ومربي الثروة الحيوانية وتنعكس آثارها السلبية على المربين فقط، كأن ينتظر المربي تاجر الحليب في الموعد المحدد لاستلام المادة، ويمر الوقت وينقضي الموعد ولا يأتي التاجر فيضطر المربي لتوزيع الحليب على الجيران، أو على أصحاب المحال التجارية بأرخص الأثمان..!.

مزمنة

ويواجه مربو الثروة الحيوانية هذه المعاناة والمتاعب منذ سنوات، ولم يجدوا إلى الآن حلاً لمشكلاتهم في تصريف إنتاجهم من الحليب، علماً أنهم طرقوا معظم الأبواب لتجاوز هذه المشكلة المزمنة ولكن دون أن يصلوا لحل جذري حتى الآن، مع الإشارة في هذا السياق إلى أن نقل المنتج وخاصة الغذائي يلعب دوراً مهماً في الدورة التسويقية، ونظراً لبعد المسافة فمن البديهي تخفيض تكاليف النقل بشكل رئيسي، فالمنتجات الزراعية بمعظمها سلع طازجة وتالياً هي هشة وقابلة للتلف ولا بد من إيصالها إلى المستهلك في أقصر وقت لئلا تفسد نوعيتها، إضافة إلى ذلك فالنقل لمسافات طويلة يتسبب في التأخر في تسليم المنتجات للأسواق والتعرض للحرارة والتقلبات في وسائط النقل؛ الأمر الذي قد يعرض المادة للتلف ووقوع خسائر، مثلاً وحول هذا الوضع يضيف العلي أن إنتاج الحليب في ريف دمشق وبكميات كبيرة يتم من خلال مربين ومنتجين ليس بحوزتهم أجهزة التعبئة المناسبة، ويعملون بعيداً عن أي إشراف ومتابعة صحية، ويتم نقل المنتج بوسائط نقل قد تكون عابرة لا علاقة لها بأي معايير صحية، فالمنتج ليست له أية تسهيلات تخزينية أو حتى تمويلية ما يعرضه لعمليات ابتزاز وسمسرة من قبل تجار يشترون المادة وينقلونها غير آبهين بأي شي، ولا تتم مراعاة الاشتراطات المطلوبة ولا حتى أية جهة تلزمهم بذلك، ولا وجود للرقابة أبداً ولا أحد يكترث لخطورة مادة الحليب في حال تم عطبها.

نسبة قليلة

وكما ذكر لنا خبراء في التسويق فإن العمليات التسويقية التي تخضع لها مادة الحليب مثلاً تعد ذات كفاءة منخفضة، ويعد ذلك أحد المعوقات الرئيسة التي تقف في وجه تطوير عملية التسويق للمنتج، ولا تساهم المؤسسات التسويقية الحكومية إلا بنسبة قليلة جداً من إجمالي العمليات التسويقية المقدمة للحليب ومشتقاته، بينما يساهم القطاع الخاص بالجزء الأكبر من هذه العمليات التسويقية، وهذا الأمر بمنزلة مجال واسع لوقوع بعض التجاوزات التي من شأنها الإساءة للعملية التسويقية والإنتاجية على حد سواء؛ لذا كان لابد من دفع الجهات الرقابية لتكثيف حملاتها على منشآت وورش التصنيع الخاصة من أجل ضمان مادة مهمة تتأثر سريعاً بالأجواء وظروف نقلها، وتطوير أسلوب تسويق الحليب وتقليل نسبة الفاقد، إضافة إلى تبسيط المسالك التسويقية المعقدة للحليب ومشتقاته ونقل الحليب بعد تجميعه ومجانسته إلى وحدات التصنيع ما يؤدي إلى رفع القيمة المضافة لذلك المنتج، وتالياً زيادة فرص الطلب على هذه المادة ومشتقاتها، وإيجاد فرص عمل إضافية تؤدي في النتيجة إلى زيادة دخل المزارع والمربي.

الحل المطلوب‏..

إن وفرة إنتاج الحليب في محافظة ريف دمشق ومعاناة المربين في تسويق المادة تجعلنا نؤكد على ضرورة وأهمية إقامة معمل للألبان في المحافظة، ليقوم بتصنيع الفائض من الإنتاج من جهة ويساعد في حل مشكلة المربين الذين يعانون الأمرين جراء طرق التسويق القائمة حالياً من جهة ثانية، مع الإشارة هنا إلى إن فكرة إنشاء معمل للألبان بريف دمشق باتت مطلباً ملحاً ينادي به مربو الثروة الحيوانية وغيرهم من الفعاليات الرسمية والشعبية بالمحافظة، فقد طرح أعضاء مجلس الشعب من أبناء المحافظة هذا الموضوع في جلسات مجلس الشعب، وعرض محافظ ريف دمشق هذا المشروع من بين جملة المشاريع التي تحتاجها المحافظة أمام اللجنة الوزارية التي زارت المحافظة مؤخراً برئاسة رئيس مجلس الوزراء، كما جاء ذكر هذا المشروع في الخارطة الاستثمارية التي أعدت للمحافظة عام 2004، ولكن هذا المشروع مازال فكرة تطرح هنا وهناك ولم تأخذ طريقها للتطبيق العملي إلى الآن، وها نحن نعود مرة أخرى لطرح هذا الموضوع والتأكيد على أهمية إقامته نظراً للأهداف والغايات الإيجابية التي تتحقق من خلال تنفيذه، فمن جهة يقوم هذا المعمل بحل مشكلتي منتجي الحليب الذين يواجهون الآن صعوبة كبيرة في تسويق إنتاجهم ويتعرضون للمتاعب والخسائر بسبب نقل وبيع هذا الإنتاج في أسواق المحافظات، ومن جهة أخرى يقوم هذا المصنع بعد إنجازه بتصنيع إنتاج المحافظة الكافي لتشغيله وتوفير فرص العمل لأعداد كبيرة من أبناء وعمال المحافظة وتحقيق الأرباح المجزية نظراً لجدواه الاقتصادية، وبالإضافة إلى أن إحداث هذه المنشأة سيساهم في دعم الاقتصاد الوطني ويدفع بعجلة التنمية بالمحافظة إلى الأمام، ومن الفوائد الأخرى لإقامة معمل للألبان في المحافظة الاطمئنان على سلامة تصنيع الألبان ومشتقاتها.

عبد الرحمن جاويش