هل ما يحصل مع منطقتنا العربية استثناء من منطق الواقع العالمي؟؟..
د. مهدي دخل الله
المنهج المقارن يمكن أن يوضح الطريق نحو الإجابة عن هذا السؤال. فحالة منطقتنا ليست منفردة، وهي تخضع تماماً لقوانين التطور العامة التي تنطبق على بني البشر كلهم، خاصة وأن الموقع المتوسط للمنطقة الذي يثير اهتمام القوى العظمى يزيد في فعالية هذه القوانين.
لنأخذ أول واحدة من أهم مواصفات الواقع، وهي التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. هل هذا استثناء ؟… هل المناطق الأخرى التي يشملها المصطلح الجيوسياسي الريملاند (الحزام الذي يمتد من غرب أوروبا إلى اليابان) نجت من التدخل الاستعماري في شؤونها، قديماً وحتى اليوم؟. ألا توجد قواعد أمريكية في اليابان؟ أليست شبه الجزيرة الكورية ذات الشعب الواحد مقسمة إلى قسمين متعاديين؟ والصين العظيمة، أليست صينين، الصين الشعبية وتايوان وهما متعاديان؟. وشبه الجزيرة الهندية أليست ثلاث دول متعادية بفعل الاستعمار البريطاني(الهند وبنغلادش والباكستان)؟ وأوروبا نفسها ألم تكن ألمانيا ألمانيتين متعاديتين؟ وفي البلقان وشرق أوروبا أكثر من ثلاثين مشكلة حدودية بسبب رسم الحدود حسب معيار العلاقات بين الدول العظمى، وليس حسب معيار الجغرافيا والتاريخ والشعوب؟ ألم تنقسم يوغسلافيا إلى ست دول ونصف(كوسوفو)؟ وتشيكوسلوفاكيا إلى دولتين، وقبرص إلى قبرصين؟..
المواصفة الثانية، وهي تمزق الأمة العربية والحروب عليها والنزاع بين أقطارها؟ هل هذا استثناء؟ ألم يتقاتل الأوروبيون في حربين عالميتين ذهب ضحيتهما أكثر من ثلاثمئة مليون نسمة في القرن العشرين؟ ألم يقاتل الروس إخوانهم في الحرب العالمية الثانية تحت تأثير الغزو الألماني، والبولونيون إخوانهم وكذلك اليوغسلاف؟.. ألم تُدمّر ألمانيا تدميراً كاملاً لدرجة أن طائرات الحلفاء ألقت مئات الآلاف من القنابل على المدن الألمانية بقصد تدميرها على الرغم من أن الحرب عملياً كانت منتهية؟ ألم يغتصب جنود الحلفاء أكثر من ثلاثة ملايين فتاة ألمانية صغيرة، وقتل مئات الآلاف منهن بعد الاغتصاب؟..
هل أتاكم نبأ المذابح المدنية بين الأرثوذوكس والكاثوليك في يوغسلافيا، وبين البروتستانت والكاثوليك شمال إيرلندا؟؟.. وكانت هناك وحشية تحسدهم عليها داعش نفسها…
قد يقول قائل: إن هذا حصل في الماضي.. الجواب: لا، ليس في الماضي، إنه حصل منذ عشرات السنين فقط، وإذا أخذنا الفرق في المستوى الحضاري بين منطقتنا وأوروبا نلاحظ أن كل هذا حصل عندهم على مستوى حضاري متطور ورفيع جداً..
لا أريد من هذا العرض أن أسهّل الأمور علينا. كل ما أريده إيضاح الواقع والوقائع، لأن المعرفة الحقيقية للواقع تزيدنا يقيناً بتصدينا، فاليقين المبني على المعرفة أفضل من اليقين المبني على الغريزة، واليقينان ضروريان..
ما أريده أيضاً أن نتخلّص من عقد النقص المسيطرة على وعينا كأمة، لأن عقد النقص تدفعنا للاعتقاد بأن الآخر أفضل منا أنتولوجياً.. وهذا الاعتقاد من أكبر عناصر ضعفنا وتسويغ استسلامنا.
mahdidakhlala@gmail.com