دراساتصحيفة البعث

التصعيــــد الأمريكــــي ضـــد إيــران.. توتـــر محفــــوف بالانــــزلاق

علاء العطار
تُنازع الولايات المتحدة اليوم للمحافظة على مركزها كقوة عظمى أمام العديد من الدول، خاصة بعد أن انتزع منها المارد الصيني قدراً لا يُستهان به من سطوتها، وتبدو اليوم كمن يصارع الأشباح، فهي ترى في كل أمة تحاول النهوض تهديداً يحيط بسلطتها التي كانت تتمتّع بها في السابق، لذا تعمل جاهدة على الوقوف في وجه تقدم الأمم والإبقاء عليها في ظلمات الجهل، يتوضح ذلك من خلال تصرفاتها الرعناء تجاه إيران، تلك الدولة التي شهدت تقدماً ملحوظاً على الصعد كافة، لكن يبدو أن كل الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة لكبح جماح التقدم الإيراني باءت بالفشل.
وفي الأيام الأخيرة تصاعدت حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران بفعل الضغوط التي تمارسها الأولى على إيران من خلال الوسائل السياسية والعسكرية وغيرها، وهو ما يدفع حدة التوتر بين الجانبين إلى مستويات غير مسبوقة.

الموقف الأمريكي
لن يرغب عاقل في نشوب صراع جديد في المنطقة، خاصة وأنه يضع على المحك العديد من المسائل المهمّة، كدفع إيران إلى استهداف القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في الخليج، وإغلاقها لمضيق هرمز الذي سيؤثر بدوره على صادرات النفط الآتية من السعودية وقطر والعراق وغيرها، وسيمتد هذا التأثير ليطال العالم بأسره. لكن الوقائع والأحداث السابقة تؤكد أن إدارة ترامب لا تتحلّى بالعقلانية أو المنطق المطلوبين للانخراط في الميدان السياسي، ولاسيما أنها تتكون من أمراء الحرب وأصحاب الفكر اليميني المتطرف.
دفعت هذه التوترات العديد من الخبراء إلى دعوة إدارة ترامب للعودة إلى الاتفاق النووي، وأكدوا أن انسحابها لن يساهم في تحقيق أهدافها المنشودة، بل سيؤدي إلى تبعات لا تصبّ في مصلحة أي طرف، وتشمل هذه الآثار السلبية العديد من الجوانب، كاستعادة إيران برنامجها النووي الكامل مع تقييد صلاحيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقويض قيمة الدبلوماسية متعددة الأطراف، وتفاقم التوترات الإقليمية، وغيرها الكثير.
لكن واشنطن لا تزال تواصل مراكمة الضغوط على طهران في مختلف المجالات ضاربة عرض الحائط بتحذيرات وتوصيات الخبراء والمختصين من الداخل والخارج، فعزّزت مؤخراً من وجودها العسكري في الشرق الأوسط ملوحة بعصا الحرب في خطوة تهدف لتقليل النفوذ الإيراني، وزيادة الضغط من أجل تغيير سياستها الخارجية. ومع إرسال المزيد من منظومات باتريوت المضادة للصواريخ إلى المنطقة، فرض ترامب مؤخراً عقوبات جديدة على صادرات إيران من المعادن الصناعية التي تشمل قطاعات الحديد والألومينيوم والصلب والنحاس، وهدّد سابقاً بفرض عقوبات على أي دولة تواصل شراء النفط الإيراني بعد الثاني من أيار.

الموقف الإيراني
تتسم السياسة الخارجية الإيرانية عموماً بالصبر والحنكة، وهذا ما يتبدى في طريقة تعاطيها مع معظم القضايا الدولية والإقليمية، واتبعت إيران كافة الطرق الدبلوماسية المتاحة بهدف الوصول إلى تسوية ترضي جميع الأطراف، وهذا ما حدث في الاتفاق النووي الإيراني إلى أن جاء ترامب وحطّم الاتفاق بإعلانه الانسحاب منذ عام تقريباً.
ولم يكتف ترامب بذلك، بل عمل منذ ذلك الحين على مهاجمة إيران ومحاصرتها بشتى الوسائل والطرق، وهذا أمر لن تسكت عنه أي أمة ذات سيادة مهما كان مستوى الصبر الذي تمتلكه.
لا شك أن هذه الضغوط والعقوبات أحادية الجانب التي فرضتها واشنطن ستدفع إيران إلى اتخاذ تدابير مضادة، حتى لو آل الأمر إلى انسحابها الكامل من الاتفاق النووي، وقد يُعدّ تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني تلميحاً إلى ذلك، إذ قال: “إن إيران ستتوقف عن تنفيذ بعض بنود الاتفاق النووي”. ومن جانب آخر أكد الجيش الإيراني أنه في حال “ازداد السلوك العدواني الخبيث، بإمكان إيران إغلاق مضيق هرمز”، كما أعلن روحاني أن طهران ستزيد صادراتها غير النفطية مع الاستمرار في بيع النفط في محاولة لمواجهة العقوبات الأمريكية.
تدلّ هذه الإجراءات الإيرانية على أن إيران لا تزال متمسكة بموقفها الثابت، كما تدلّ على أن حدة التوترات بين الجانبين إلى تصاعد، لكن من المستبعد نشوب اشتباك عسكري بينهما.
وبشأن العقوبات الأمريكية الجديدة على الصادرات المعدنية الإيرانية، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي: “إن القرار الأمريكي بفرض عقوبات جديدة على الصادرات المعدنية الصناعية يتعارض مع التزامات واشنطن الدولية.. وإنها تتعارض مع المبادئ والقواعد الأساسية للمجتمع الدولي”.
لكن هذا الأمر ليس غريباً على الولايات المتحدة، وحدث في العديد من الاتفاقات، حتى في ظل الإدارات السابقة لإدارة ترامب، فهي ترى نفسها فوق أي قانون ولن يتجرأ أحد على محاسبتها على أي انتهاك، لذا لا يمكن الوثوق بدولة قد تطعنك بظهرك في أي لحظة، وهذا ما أشار إليه المساعد السياسي للحرس الثوري، يد الله جواني، إذ قال: “ليس لدى إيران نيّة في الحوار مع الولايات المتحدة، وإن بلاده لن تتفاوض معها بسبب الضغوط الاقتصادية والعسكرية”.
ليس بإمكان الضغوط الأمريكية أن تعيد إيران إلى طاولة المفاوضات عنوة، ومن المستبعد أن تقوم الإدارة الأمريكية باتخاذ إجراءات عسكرية ضد إيران مهما بلغت درجة تهورها.

ردود الفعل الدولية
من الصعب كبح الهستيريا الأمريكية على المدى المنظور، لكن هناك العديد من الأطراف التي يمكنها أن تلعب دوراً مهماً في تهدئة الجانبين والحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني وضمان فعالية التعددية واحترام القانون الدولي والاتفاقيات الدولية، ولاسيما أوروبا، فمن جانبها تأمل فرنسا في الحفاظ على الاتفاق النووي، وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس: “إن الاتفاق النووي الإيراني هو محور الحفاظ على معاهدة حظر الانتشار النووي العالمية”.
وذكر العديد من الخبراء أن تركيا قد تواصل شراء النفط الإيراني رغم التهديد الأمريكي بفرض العقوبات، لأن حجم التجارة بين الدولتين يبلغ نحو 15 مليار دولار.
أما الصين، فقد دعت إلى الحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني وتطبيقه، وحثّت جميع الأطراف على ممارسة ضبط النفس وتجنّب تصعيد التوترات. وأوضح المتحدث باسم الخارجية الصينية كنغ شوانغ أن الصين تثمن التزام إيران بتعهداتها بموجب الاتفاق، وتعارض العقوبات أحادية الجانب التي فرضتها الولايات المتحدة، وأشار إلى أن الصين تأسف لأن الخطوات الأمريكية فاقمت التوترات بين الجانبين، ولفت إلى أن الصين تعتزم مواصلة بذل الجهود للحفاظ على الاتفاق وتطبيقه وحماية الحقوق والمصالح المشروعة للشركات الصينية بقوة.
يبدو أن عرش الهيمنة الأمريكية بدأ يتآكل بوتيرة سريعة، ومهما نازعت لتحافظ عليه فإنه لن يصمد أمام الزمن الذي يتجه مرغماً نحو التعددية القطبية، وليس أمامها سوى أن تقف مكتوفة الأيدي، خاصة بظهور قوى جديدة فرضت نفسها على الساحة الدولية، وإن استمرت الولايات المتحدة باتباع النمط السياسي نفسه الذي تبنته في أوجها، فلن يتبقى لها في المستقبل سوى جزء يسير من الهيمنة الدولية، وربما على أتباعها المخلصين فقط، كالسعودية.