صحيفة البعثمحليات

الدليل الاسترشادي للصياغة التشريعية.. حاجة أم ترف قانوني.! تأطير التشريعات في قالب ولغة موحدة.. ووضع ضوابط واضحة للحد من الاستثناءات

لم تتجاوز اللجنة المشكلة لإعداد الدليل الاسترشادي للصياغة التشريعية وقتها المحدد بثلاثة أشهر حتى ختمت أعمالها وتوجهت بالدليل لمجلس الوزراء الذي أكد رئيسه المهندس عماد خميس مراراً على التوجه الحكومي الجاد للوصول إلى بيئة تشريعية متينة تؤسس للإصلاح الإداري ومكافحة الفساد بكافة أشكاله، فبعد أن شكلت بعض الصياغات “المبهمة” لنصوص القوانين مجالاً رحباً للفساد والاستثناءات، وفقدت القوانين الطابع أو الهوية الموحدة لها بات من الضروري وضع أسس واضحة تعيد قولبة التشريعات بصبغة واحدة، وتسد الثغرات الناجمة عن صياغات خاطئة تؤدي لفهم مغلوط للقانون السوري، ورغم أن الدليل جاء كخطوة متأخرة إلى حد ما إلا أنه يمهد الطريق لمرحلة جديدة تتركز على التنمية الشاملة ومكافحة الفساد وإعادة الإعمار.

تأطير

عضو إدارة التشريع القاضي المستشار عمار بلال أكد أن إصدار الدليل يشكل ضابطاً عاماً للعاملين في الصياغة التشريعية، فهو يضم أفكاراً ومنهجية موحدة تضبط حالة “الضياع القانوني”، وتؤطر التشريعات والقوانين السورية ضمن قالب موحد، لاسيما أن الوزارات والفعاليات لا تضم مختصين في الصياغة، فالإجازة في الحقوق بمفردها لا تخول صاحبها بأن يكون صائغاً قانونياً، موضحاً أن الدليل ناقش علم صياغة القانون سواء في المعنى المقصود أو الغايات والسياسات التشريعية “وهي القوانين التي تسمح للحكومة بتنفيذ خطتها”، كما وضع أفكاراً ونظريات جديدة ضمن قاعدة البلاغة في الإيجاز وترشيد الإجراءات واختزال الزمن. ومن المفترض أن يتم اعتماد الدليل فور صدوره لكافة القوانين الموجودة والتي ستصدر لاحقاً.

تدريب وتقييم

ولم يبدِ بلال رضاه الكامل عما توصلت إليه اللجنة على مبدأ “العاقل لا يرضى عن عمله إلا إذا أصيب بالغرو”؛ فالدليل كان يحتاج إلى وقت أكبر ونقاش أعمق برأيه، لكنه خرج بطريقة جيدة جداً بالنسبة لسورية كونها لا تملك دليلاً سابقاً، مشدداً على أنه بحاجة مراجعة دائمة وتطوير لاسيما بعد تقييم آلية التطبيق ومدى الفهم الصحيح له بناءً على دورات تدريبية تقوم بها الجهة المسؤولة عن إصدار الدليل للقانونيين بكل الوزارات والفعاليات، كما يناقش حالياً التدريب باستخدام الإمكانات اللوجستية للمعهد القضائي. وأكد بلال على ضرورة استمرارية الدورات لتواكب تطور العلم حيث أصبحت بعض الدول تسعى لإيجاد برمجة متقدمة في آلية الصياغة وفق منظومة التفكير القانوني لها.

المحاور

ويتضمن الدليل محاور عدة تؤطر عملية صياغة التشريع في قوالب موحدة انطلاقاً من أبسط البديهيات، كالتأكيد على وجوب دستورية القانون وتدرج القواعد القانونية والمصادر التشريعية وضرورة الاطلاع على القوانين الأخرى داخلياً وخارجياً، كما وضع ضوابط خارجية للتشريع كالاتفاقيات الدولية ومراعاة السياسة التشريعية بحيث لا يكون إصدار القانون على مبدأ الصدفة أو “هوشة عرب” حسب تعبير بلال الذي لفت إلى مناقشة الدليل للاجتهادات القضائية وضرورة لحظها في القوانين الجديدة باعتبارها تظهر نتيجة ضعف أو إبهام في النص القانوني.

وتركز الضوابط الداخلية في الدليل على ما يحتويه مشروع الصك التشريعي من أسباب موجبة إضافة إلى المذكرة الإيضاحية وهيكلية الصك وضبط مفهوم التعاريف ولحظ أهداف القانون بشكل ممنهج، فضلاً عن توحيد التقسيم الشكلي في الصكوك والقوانين اعتماداً على المنهج العلمي الأكثر انتشاراً، والضبط الموضوعي الداخلي للصك مثل كيفية كتابة الجملة القانونية وتسلسل ومنهجية الأفكار، والتدقيق بالدلالات اللغوية ومراعاة القوانين النافذة لتجنب التضارب، ومراعاة قواعد الاختصاص.

مقاربة الواقع

ورغم المحاور الغنية الموجودة في الدليل أوضح بلال أنه لابد من إعادة تضمينه مفاهيم أخرى بعد دراسة منعكسات القوانين الجديدة على المجتمع بحيث يصبح أكثر مقاربة للواقع والخصوصية السورية. مبيّناً أن اللجنة عملت بعقلية الفريق الواحد، وكل أشكال الجدل كانت بناءة وطبقت القواعد المذكورة في الدليل على جميع خطوات العمل، فيما حازت الهيكلية العامة على حيز واسع من النقاش فضلاً عن بعض النقاط الجدلية في كيفية وضع الأفكار.

وبينما اعتمدت دول العالم هيئات أو مكاتب للصياغة التشريعية أعطى قانون السلطة القضائية في مادته الثامنة تحضير مشاريع القوانين لإدارة التشريع، وهنا رأى بلال أن الحاجة أصبحت كبيرة للتعمق أكثر في فن الصياغة وتعميق دور الإدارة أو إيجاد مؤسسة للصياغة تضم “الجهابذة” القانونيين والمتفرغين بحيث تجعل الخطاب القانوني مختلفاً كلياً، وتنهي الضياع القانوني وتختصر الكثير من البديهيات في الدليل والتي لا يحتاج الخبير لمن يذكره بها، فمن يعمل في الصياغة يجب أن يكون له المعرفة الواسعة والقدرة على الاختزال والتعبير.

سد الثغرات

وفي إجابته على استفسار “البعث” حول التوجه لإلغاء الاستثناءات وأعمال اللجنة المخولة بدراستها أكد القاضي عمار بلال أن الدليل جعل الاستثناء توجهاً وليس قالباً، أي أنه وضع ضوابط محددة له، فلا تتحكم المزاجية بعمل صاحب القرار وإنما تحدد له الضوابط خيارات محددة يعمل ضمنها، فيما يجب على القوانين المقبلة لحظ الاستثناءات ومعالجتها مع تقبّل بعض الاستثناءات “الحميدة” التي لا يمكن إغفالها كتعامل بعض الوزارات مع دول أو منظمات دولية لا يمكن فيها تطبيق منظومة القوانين الداخلية على الدولية، ورأى بلال أن المحاسبة والعقوبة تشكل أحد أهم ضوابط الفساد، فمن يعتقد أن القانون يقدم استثناءات كبيرة هو مخطئ لأن الضوابط قوية إلا أنها تظهر وتختفي مع إرادة المحاسبة، والملحوظ حالياً أن الإرادة موجودة، وما يتم السعي لتحقيقه هو الآليات التي لن تكون بالورق إنما بالقضاء وتحقيق الردع فالعقوبة اليوم فقدت ردعها إلى حد كبير..! معتبراً أن الالتزام بما ورد في الدليل سينعكس إيجاباً على الحد من استغلال القانون بشكل سيئ نتيجة القصور في صياغته، فالإيجاز والدقة بالتشريع يساهم في تقييد الفهم الخاطئ له.

ريم ربيع