تحَشيد بهدف الابتزاز
في الوقت الذي كان فيه العالم يراقب بحذر التهديدات الأمريكية لإيران، والبيانات العسكرية التي أطلقها البنتاغون، كان مفاجئاً أن البارجة “ابراهام لينكولن” التي قالت واشنطن إنها أرسلتها على عجل لـ “حماية أمن الخليج من التهديدات المحتملة” لم تدخل عمق مياهه، بل بقيت راسية في ميناء الفجيرة، ما يطرح الكثير من الأسئلة حول الأهداف التي سعت واشنطن لتحقيقها من تحشيد قواتها في الخليج العربي، وهل بالفعل إدارة ترامب تريد شن حرب على طهران، أم أن ما يجري هو استعراض قوة، الغاية منه القول إن الولايات المتحدة قادرة على فعل ما تريد في العالم، طبعاً بهدف واحد كما يدّعون هو حماية السلم والأمن العالمي.
فالإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب تسعى إلى حصار إيران والضغط عليها، سواء أكان ذلك هدفاً داخلياً أمريكياً بحتاً، أم تنفيذاً لرغبات “إسرائيل” ومن لفّ لفّها من “عرب الاعتدال”. المهم أنها لم تتوقّف عن اتخاذ أي قرار من شأنه مضايقة طهران، بداية من الانسحاب من الاتفاق النووي، وفرض العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة، مروراً بالتهديد بقلب “نظام الحكم” عبر تمويل ودعم ما يسمّى “معارضين إيرانيين” يقطنون عواصم غربية، وليس انتهاء بمحاولة تصفير صادرات النفط الإيراني، وتهديد الدول التي تشتريه بالعقوبات، وإغراق الإعلام الأمريكي والإسرائيلي بالحديث عن الخطر الإيراني المحدق بالمنطقة، ولكن الحقيقة أنه لا شيء جديداً في سياق ما يحدث، سوى التهويل.
ولكن ما هو مؤكّد أن الرئيس الأمريكي أيضاً ومنذ حملته الانتخابية يردّد أن دول الخليج العربي، وفي مقدمتها مملكة آل سعود، لا تستطيع أن تعيش دون الحماية الأمريكية، وعلى الرياض وأبو ظبي والدوحة أن تدفع مقابل هذه الحماية، والتي كان آخرها منذ أسبوع، إذ كرّر ترامب خلال ملتقى لأنصاره بفلوريدا أنه طلب من الملك سلمان أن يدفع ملياراته مقابل الحماية، وعليه يمكن القول: إن التهويل بالخطر الإيراني، وإطلاق البيانات العسكرية ثم التراجع عنها، كل ذلك هدفه الأول هو الابتزاز، وكسب المزيد من الأموال عبر الصفقات العسكرية، والذريعة حاضرة دائماً حادثة تفجير ناقلات النفط في الفجيرة المدبّرة، فمن دون الحماية ليس فقط لن تستطيعوا بيع النفط، وإنما لن تبقوا على عروشكم. معادلة ذهبية لدى ترامب الذي يتباهى بأنه استطاع حتى الآن حلب البقرة السعودية بـ450 مليار دولار، والحبل على الجرار.
أخيراً، إن الفعل الأمريكي بالعالم، وما يقوم به الرئيس ترامب، مردّه إلى أن واشنطن في مرحلة تراجع وانحسار، وهي باستعراض القوة العسكرية، وفرض العقوبات الاقتصادية تحاول الحفاظ على ما تبقى من هيبتها في العالم، ومنع القوى الأخرى الصاعدة من أن تلعب دورها، ولكن هل تنجح في ذلك؟.
سنان حسن