“ضباب القلوب”.. أدب الخيال العلمي
بين الماضي والحاضر والمستقبل نقلتنا “دينا” إلى عوالم عاشتها مرة بخوف، ومرة بمتعة اللقاء مع حبيبها، ومرة بمستقبل تسيطر عليه الأسلحة النووية والدمار والخراب. إذ اختفت “دينا” في رواية “ضباب القلوب” -لرائد أدب الخيال العلمي العربي د.طالب عمران- بشكل مفاجئ من حياة فارس وهي التي كانت متيمة بحبه، ففارس الذي جاء من دمشق ليعيش في مصر من أجل حبه -المالك لكل فؤاده- إلا أن اختفاءها المرعب ظل وجعاً في ذاكرته.
في البداية، تعرّف فارس على دينا في دمشق، تحيط بيتها عرائش الياسمين حتى أنه أطلق عليها في ذلك الحين اسم “الياسمينة”. اختفت دينا بعد عدة أشهر من زواجها حيث تعرضت للخطف من قبل مجرمين هاربين من العدالة ليتبين في النهاية أنهم من جماعة اللحى بعباءات يقومون بعمليات إرهابية تحت ذريعة الشريعة الإسلامية، قتلوا أمها المريضة في البداية ودفنوها دون معرفة اسمها كونها امرأة ودفنت تحت اسم أمة الله.
قصة خطف
استطاعت دينا رؤية فارس بعد عشرين عاماً وقصّت عليه حكاية اختفائها التي تعتبر أغرب من الخيال: اختطفت العصابة دينا وكانت السبب في موت أمها، وقررت تزويجها -رغم زواجها- إلا أن شريعتهم تسمح لهم بطلاقها غيابياً ومعرفتهم أنها حامل، وتحت ضغط حملها وتعبها الشديد تم تأجيل عقد القران لمدة يومين استطاعت دينا وعمتها المخطوفتين الفرار والوصول إلى مكان آمن بمساعدة الرجل الضخم “أبو قتادة” الذي وعدته بأنها ستكون مطواعة له إذا سمح لها بزيارة قبر أمها.
خطف “دينا” هو من الماضي الذي يعود اليوم في حربنا رغم اختلاف البلد.
كوكب “ديمو”
نجحت خطة الهرب حتى وصلت دينا وعمتها إلى مكان آمن، وتعرفتا على الفتاة “تغريد” لتصبح واحدة من العائلة فيما بعد وتساعد دينا في تربية ابنتها والأعمال المنزلية، إلا أن المرض اللعين سيطر على عمتها وماتت ومنذ ذلك الحين ظهرت “سولا” التي تشبه عمة دينا- وبدأت تأتي في أحلامها ولكن بطريقة غريبة إلا أنها كانت أداة للأبحاث والتجارب لدراسة العقل البشري.
اختارت سولا –الآتية من مجلس الحكماء في كوكب “ديمو” دينا لاستكشاف سر الحياة على الأرض وقد تفاجأت بكمية الفوضى عليها، فالكوكب يحاول التخفيف من وطأة عذاب الناس الذين ترهقهم العزلة والوحدة، وكانت دينا من بين من تنطبق عليهم هذه المواصفات، بالإضافة إلى إشراقة العقل والمعارف التي تجول في دوائرها والنبل والطيبة، فهم بحاجة إلى طاقة العقل وليس لطاقة الجسد رغم ضعفها ومرضها.
القطبين
في اكتشاف عالم القطبين تتفاجأ “دينا” أن مستقبل الشمالي مليء بالأسلحة النووية والصواريخ ومخزونات الأسلحة المدمرة لمسح بعض المدن وتدمير منطقة ضخمة بعدد سكان يزيد على المليون، أما القطب الجنوبي قارة “أنتاركتيكا” فكانت عبارة عن أقبية في داخلها مختبر ضخم فيه عينات حية من حيوانات مختلفة “فئران، جرذان، حشرات” وأطفال صغار على مناضد التشريح، في كلتا الحالتين كان المشهد مرعباً إلا أن الكاتب أسس لعلاقة بين القارئ وفكره، فهو لا يسرد الأحداث التي يرويها كفنتازيا تطرب القارئ وتدغدغ مكامن اللغة السلسة في ذاته فحسب، بل إنه مرر رسائل خلاقة تحدث أثراً فكرياً مع المحافظة على روعة الفنتازيا، فمثلاً عرض في روايته “ضباب القلوب”: دخلت سولا ودينا إلى مناطق من شمال الكرة الأرضية فيها عمارات ضخمة شاهقة ولجان من الناس تجتمع حول مناضد بوجوه مقطبة وبكبسة زر سمعت دينا جملة “قراراتنا قطعية نحن سندعم تلك الدولة الحديثة بكل إمكاناتنا ولن نسمح لأحد أن يعتدي عليها أو يعرقل الأمن فيها”، وكأنهم يتكلمون عن العدو الغاصب الذي اعتدى وشرد الكثير وارتكب المجازر.
الخير يغلب الشر
المستقبل المرعب الذي غاصت دينا فيه هو ذاته المستقبل الذي ستكون آثاره شديدة الخطورة على حياة البشر، هناك الكثير من الكوارث والحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية والبيئية ورغم ذلك هناك من يقاوم ليعيش ويحقق شيئاً من وجوه الخير. نقلتنا سولا ودينا إلى مكان يعيش أحداثاً تشبه ماحدث في أيام الحرب وعلى أرضنا إلا أن الكاتب استطاع إدخال التفاؤل بأسلوب جميل بالقول “الشر ينسحب تحت ضربات الخير” بمعنى أن الأمل والخير سينتصران في النهاية.
“ضباب القلوب” من روايات الخيال العلمي ستجعلك تبحر في بحرٍ من الدهشة لا ينتهي أبداً في عالم القصص والروايات التي تفتح نوافذ على عوامل خارجية خارج حدودنا القومية واللغوية، يؤرخ للمستقبل دون تزوير العلم، بل الربط بين العلم والأدب بشقيه الجاد والفانتازي.
جمان بركات