في الذكرى 71 لاغتصاب فلسطين.. قراءة فيما حدث
المستشار رشيد موعد
قاضي محكمة الجنايات سابقاً
بتاريخ 15/5/1948 كانت النكبة، فلسطين تضيع نتيجة التواطؤ الدولي والأممي معاً، هذه النكبة، أو بالأحرى، التغريبة الفلسطينية، حصلت بعد الجولة العسكرية الأولى التي خاضها العرب مع الغزاة الصهاينة لاغتصاب الأرض المقدسة، فلسطين، شاركت فيها 5 جيوش عربية هي: مصر– سورية– الأردن– العراق– لبنان.
بدأت الحرب في الخامس من أيار، وانتهت بعقد اتفاقيات الهدنة، كان السبب المباشر لنشوب هذه الحرب تصميم الصهاينة والقوى الدولية المؤيدة لها على إقامة الدولة اليهودية في فلسطين بناء على قرار التقسيم رقم /181/ الذي أصدرته الأمم المتحدة بتاريخ 29/11/1947، وقد سعت الجيوش العربية التي دخلت الحرب إلى حماية الشعب العربي الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني من جراء الغزوة الصهيونية، كما هدفت، في الوقت ذاته، إلى إعادة الأمن والسلم إلى فلسطين.
وبتاريخ 16/9/1947 عقدت جامعة الدول العربية اجتماعاً في مدينة صوفر بلبنان قررت فيه تقديم أقصى ما يمكن من الدعم، بشكل عاجل، لأهالي فلسطين في حال تنفيذ قرار التقسيم، وفي اجتماع آخر عقد في عاليه، لبنان يوم 15/10/1947 قرر العرب أيضاً تقديم 10 آلاف بندقية مع ذخائرها، وتأليف لجنة عسكرية لإعداد الدفاع عن عروبة فلسطين.
وعند صدور قرار التقسيم، وفي غمرة الهياج الشعبي، دعت الجامعة إلى عقد اجتماع في القاهرة يوم 8/12/1947حضره رؤساء وزراء الدول العربية، صدر في ختامه بيان جاء فيه: “إن الحكومات العربية لا تعترف بقرار الأمم المتحدة، وتعتبر التقسيم باطلاً من أساسه، وهي تقف إلى جانب استقلال فلسطين وسيادتها، وستتخذ التدابير الحاسمة بما هو كفيل بإحباط مشروع التقسيم، وخوض المعركة من أجل ذلك”.
وهكذا أعلن العرب الحرب، ووقوفهم إلى جانب إخوانهم في فلسطين، وفي الوقت ذاته عزم الصهاينة على إنشاء دولة يهودية في فلسطين بعد أن استمدوا قوتهم من قرار الأمم المتحدة، عندها هب عرب فلسطين من خلال جيش الجهاد المقدس، وكان تعداده آنذاك (8 – 10) آلاف مقاتل، وبمساعدة جيش الإنقاذ الذي تعداده (من 3- 4) آلاف مقاتل يدافعون عن وطنهم ضد القوات الصهيونية التي بلغ تعدادها آنذاك حوالي 67 ألف عنصر، اعتمدت هذه القوات في تسليحها على ما كانت تستورده من أوروبا، وتحصل عليه من القوات البريطانية، وقد استعدت هذه القوات التي كانت مؤلفة في معظمها من عصابات الهاغاناه، والأرغون، وشتيرن، والبلماخ، فحصّنت مستعمراتها تحصيناً قوياً، ودرّبت سكانها على الدفاع الذاتي ضد أي هجوم عربي، كان البريطانيون، في هذا الوقت، وبصفتهم الوصائية على أرض فلسطين، بموجب صك الانتداب الأممي الصادر بتاريخ 24/7/1922، يتظاهرون خلال هذا الصراع بالوقوف على الحياد، في حين كانوا يدعمون عملياً المنظمات الإرهابية الصهيونية، ويزودونها بالسلاح والذخائر.
أعلن دافيد بن غوريون بتاريخ 14/5/1948 قيام ما يسمى “دولة إسرائيل” على جزء من أرض فلسطين العربية، وحكومة مؤقتة لها، وبعد 11 دقيقة سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاعتراف بها، ثم توالت بقية الاعترافات من الدول الأخرى المؤيدة للصهاينة.
وقد أكدت لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين آنذاك أن الحكومة البريطانية، بوصفها الدولة المنتدبة، اعتزمت سحب قواتها العسكرية، وإنهاء مهام قوة الشرطة الفلسطينية المحلية المتكونة من عرب ويهود يوم 15/5/1948، على أن تترك معداتها وأسلحتها ومستودعاتها للسلطات التي تخلفها، وقد استغلت المنظمات الصهيونية حالة الفراغ الناجمة عن انسحاب السلطات البريطانية لتستولي على جميع مخلفاتها من المعدات، والسلاح، والمؤسسات الإدارية، والمنشآت الأخرى، وإزاء هذا الوضع، وتكرار الاعتداءات الوحشية الصهيونية على القرى العربية الفلسطينية، وارتكاب أبشع المجازر في كل من دير ياسين، وكفر قاسم، والطنطورة، وصفورية، وقبية، وقرى الشجرة، ولوبية، والدوايمة، وتقاعس السلطات البريطانية عن تنفيذ واجباتها في الإشراف على الأمن وحفظه حتى قيام سلطة فلسطينية وفقاً لما نص عليه صك الانتداب، لاسيما المادة 22 منه، وبمواجهة هذه التحديات لم يعد أمام الدول العربية من خيار سوى التصدي لهذا الغزو الصهيوني الاستعماري لفلسطين بالقوة، فاضطرت إلى دفع قواتها النظامية المسلحة لحماية أرض فلسطين وشعبها من القتل والتشريد، ولمنع قرار التقسيم.
إذا كانت الصهيونية قد وجدت في وعد بلفور الصادر بتاريخ 2/11/1917، وفي صك الانتداب الدولي بتاريخ 24/7/1922 غطاء شرعياً لغزو فلسطين بهجرات يهودية متتالية، فإنها اعتبرت قرار التقسيم دعوة شرعية لإقامة دولتها، وأدركت استحالة تحقيق ذلك بالطرق السلمية، لذا سارعت في استكمال استعدادها لفرض هذه الدولة بالقوة داخل حدود مؤقتة مرددة شعار “هاشومير” الذي نادى به “دافيد بن غوريون”: “بالدم والنار سقطت اليهودية، وبالدم والنار سوف نعود من جديد”، وكانت قيادة عصابات الهاغاناه قد قررت وضع تفاصيل خطة عسكرية للاستيلاء على أوسع مساحة ممكنة من أرض فلسطين قبل انسحاب القوات البريطانية، وتمكنت خلال شهر ونصف، أي حتى تاريخ 15/5/1948، ونظراً لاقتناعها بعدم قدرتها على فرض هذا القرار بالقوة مع وجود المقاومة العربية العنيدة المتصاعدة، من وضع مخطط جديد يتلخص في تمكين العصابات الصهيونية من الاستيلاء على أكبر عدد من القوات والمعسكرات البريطانية في فلسطين خلال فترة وجودها وبدعم منها، مع خلق الظروف الدافعة للعرب للجلاء عن المناطق التي رأت بريطانيا أنها ضرورية لقيام “الدولة اليهودية”.
وتنفيذاً لهذا المخطط بدأت القوات البريطانية بالانسحاب على مراحل اعتباراً من تاريخ 19/2/1948، ولم تتم عملية الانسحاب من المناطق العربية واليهودية في آن واحد، إنما بدأت الجلاء عن المناطق اليهودية بالتواطؤ مع تسليم السلطات الإدارية إلى الوكالة اليهودية، بالإضافة إلى تسليمها المعسكرات والمطارات ومستودعات الذخيرة، خلافاً لنصوص صك الانتداب والمواثيق الدولية.
أما في المناطق العربية فقد ظلت جميع القوات البريطانية حتى آخر أيام الموعد المحدد للانسحاب تمارس صلاحياتها واضطهادها للشعب العربي الفلسطيني، ومنع استعداداته العسكرية للدفاع عن نفسه أمام الهجمات المنظمة التي أخذت العصابات الصهيونية تشنها على السكان العرب، ومنعت السلطات البريطانية إدخال الأسلحة إلى المناطق العربية، ودخول المتطوعين العرب إلى فلسطين، وكانت تعتقل وتحكم بأقصى العقوبات على كل من تثبت من العرب حيازته للسلاح.
في منتصف ليلة 15/5/1948 دخلت الجيوش العربية أرض فلسطين، ورغم المعوقات التي واجهتها، حققت هذه الجيوش في الأيام الأولى من عملياتها العسكرية تقدماً ونجاحاً ملحوظاً، فقد شن اللواء الأول في الجيش العربي السوري هجوماً على المواقع الصهيونية المحصنة قرب مدينة سمخ، ما اضطر الصهاينة للانسحاب إلى مستعمرة “دغانيا” التي دخلتها القوات السورية في اليوم ذاته بعدها انطلقت القوات العربية السورية نحو هدفها، تتقدمها الدبابات والعربات المدرعة، وسرعان ما اخترقت دفاعات مستعمرة “دغانيا” الصهيونية، وفي صباح السادس عشر من أيار قام سلاح الطيران العربي السوري بقصف مدينة سمخ ومستعمرات الحولة.
وبتاريخ 10/6/1948 شنت القوات العربية السورية هجوماً منسقاً، حيث نجح لواء المشاة الثاني في خرق دفاعات العدو الإسرائيلي، واحتل ثلاث نقاط استراتيجية محصنة في مستعمرة “مشمار هايردن”، وتابع ضغطه على العصابات الصهيونية، حيث نجحت المدرعات السورية في عبور واجتياز نهر الأردن، وتمكنت من التغلب على المواقع المعادية، ودارت رحى معركة قاسية وعنيفة هناك انتهت بسقوط مستعمرة “مشمار هايردن” بُعيد ظهر العاشر من حزيران في يد القوات العربية السورية، كما قام اللواء الأول السوري، في الوقت نفسه، بشن هجوم على مستعمرة “عين غيف”، ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية، تحت وطأة الضربات العربية الموجعة لعصابات الصهاينة، أن تطلب من مجلس الأمن التدخل لوقف إطلاق النار، فجاء القرار رقم/50/ تاريخ 29/5/1948 القاضي بوقف إطلاق النار، وكانت الهدنة الأولى بين العرب والعدو الصهيوني التي امتدت من تاريخ 11/6/ وحتى 9/7/1948، وخلال هذه الهدنة، قامت العصابات الصهيونية بتعزيز قواتها بالأسلحة والذخيرة، وبتحسين مواقعها خلافاً لنصوص الهدنة وقرار مجلس الأمن.
وبتاريخ 15/7/ 1948 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم/54/ المتضمن فرض هدنة في فلسطين “للمرة الثانية”، وقد بدأ تطبيقها في الساعة 17 من يوم 18/7/1948 بعد أن تمكنت العصابات الصهيونية خلال عشرة أيام من القتال من احتلال مساحات واسعة من أرض فلسطين.
لم يجعل مجلس الأمن، لهذه الهدنة، زمناً محدداً، حيث تحولت مع مرور الزمن إلى هدنة دائمة، ومازالت إلى يومنا هذا.
فلسطين أرض عربية طال الزمن على احتلالها أم قصر.. ستعود كما كانت عربية.