قيم التسامح!
تكرّس المبادرات الاقتصادية والاجتماعية التي تتم في شهر رمضان الكريم، وفي مختلف المحافظات، تلك القيم التي لخصها العلامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي بقوله: سورية تعد أنموذجاً حضارياً لحقيقة الإسلام الذي يحتضن أطيافاً متعددة، وقد عاش أبناؤها نسيجاً متكاملاً أغنى صورتها في التسامح، والوئام، وعدم التنافر والتخاصم.
ونستطيع بكل ثقة من خلال الحالة التي يعيشها بلدنا في هذه الأيام، ورغم ضخامة التحديات والظروف المعيشية الصعبة، أن نؤكد على سقوط مشروع تكريس الهويات الفئوية والمذهبية داخل المجتمع السوري، والمحاولات المتكررة عبر التضليل الإعلامي للطعن بصورة الدولة ومؤسساتها من أجل تمرير مشاريع التقسيم، وتقديمها للرأي العام كحقيقة حتمية للمجتمع السوري، حيث تم العمل خلال سنوات الأزمة، بشكل ممنهج، على خطة شيطانية لتشويه الواقع والحياة العامة بالتقسيم، وإقصاء البعد الوطني، والسير في مسارات التطرف الديني الذي يسقط راية الوطن بكل ما تعنيه من مفاهيم السيادة والاستقلال، واستبدالها برايات التبعية والاستعمار، أو بتلك الرايات السوداء النافثة للسموم التكفيرية الحاقدة فوق التراب السوري الطاهر الشريف الذي ترتسم على كل ذرة تراب فيه أسطورة الانتماء الوطني السوري المعمّد بدماء أبناء البلد الواحد.
وبعد تسع سنوات من الحرب على الإرهاب الذي استباح دماء الجميع دون استثناء طالما أنها سورية الجنسية، أيقن كل سوري حقيقة ما يجري بعد أن تبددت الأكاذيب، وتلاشت الصور الناطقة بالخيانة والتآمر أمام الحقيقة الموجودة على أرض الواقع، فحرص أبناء البلد الواحد على وحدتهم، وكافحوا وجاهدوا في سبيل الحفاظ على تلك الحاضنة الوطنية التي ينضوون فيها تحت مفهوم المواطنية التي تعد جهاز المناعة الأقوى للوحدة الوطنية، بعيداً عن الإنتماءات الطبقية بفيروساتها المدمرة للمجتمعات التي يكون الولاء فيها على حساب الوطن الذي يكون بحضورها ساحة سهلة للتدخلات الأجنبية في غياب السيادة، وشيئاً فشيئاً ينفرط عقد الدولة نفسها التي ستتحول إلى مناطق هشة تتلاعب بها القوى الإقليمية، وتتحول إلى ساحة لتصارع النفوذ الدولي.
سنوات الحرب وثّقت حقيقة أن بلدنا كان وسيبقى بلد الانتصار والسيادة، وسيكون دائماً بلد التسامح والتعايش والتآخي الذي يتعانق فيه الصليب مع الهلال، وهو بلد الإسلام المعتدل، وعلماؤه منارات شامخة في سماء الأمة الإسلامية، والعالم أجمع، وهو الدائرة الأوسع التي تستوعب مختلف الانتماءات في المجتمع.
بشير فرزان