خبير اقتصادي يطرح جملة من الأفكار لكيفية مساهمة “ثروتنا الاغترابية” بالإعمار
تتسابق الأوطان والدول للتنقيب عن موارد وطنية جديدة بشكل مستمر، نتيجة الحاجة الدائمة للموارد، في ظل زيادة حجم المتطلبات الإنفاقية في الموازنة العامة لكل دولة، مطلق دولة. وحين تكتشف دولة ما أن هناك مورداً جديداً، فإن الحكمة والغيرية والخبرة لديها تستلزم دراسة شاملة للاستفادة القصوى والعظمى من هذا الاكتشاف. وفي هذا السياق، تعتبر الطاقة الاغترابية للدول بمثابة خزان داعم للوطن؛ لما تملكه الجاليات الاغترابية للدول من خبرة متنوعة وعلوم وتقنيات وأموال استثمارية، ومن الدول التي تملك عدداً كبيراً جداً من المغتربين في دنيا الاغتراب هي سورية.وحيث كانت الهجرة لا تزال مستمرة، ومنذ زمن وخصوصاً في القرنين الماضيين نشطة، فقد استطاعت الجاليات السورية أن تكون قوة فعلية في بلاد الانتشار التي استضافتها، فمن السوريين من وصل إلى رأس السلطة في بعض الدول، ومنهم إلى مجالس النواب والوزراء وغرف التجارة والصناعة، ومنهم تبوأ أرفع المناصب الجامعية والعلمية، إضافة إلى كبار رجال الأعمال الذين يملكون قدرات استثمارية هائلة، هذا ما يراه الخبير الاقتصادي والإداري سامر الحلاق، وهذا ما شكل القاعدة لما سنترك للخبير طرحه من أفكار هامة جداً برأينا، لكيفية الاستثمار الأمثل من تلك الطاقة المتجددة…
قوة وقيمة مضافة
إن هذه الطاقة الاغترابية، هي قوة مضافة للاقتصاد الوطني السوري، إذا تم دراسة كيفية الاستفادة منها بشكل سلس وفعال، ولعل تقديم تسهيلات للمغتربين في بلدهم الأصلي سورية هو بداية الخطوات التي تجعل الوطن مستفيداً من قوة إمكاناتهم، كما تجعلهم يتعلقون أكثر بوطنهم نتيجة هذه التسهيلات واللفتة نحوهم من وطنهم الأم؛ لذلك نرى أن إصدار قانون استثمار خاص للمغتربين وقرارات تناسب خصوصيتهم وهمومهم وأوجاعهم هي خطوة هامة لكي يكون المغترب في قلب وطنه الأم بشكل دائم.
خاص بهم سنوياً..
كما أن وجود شهر سنوي للمغتربين – يفترض أنه شهر آب، وخصوصاً خلال النصف الأول منه قبل بدء المدارس في سورية- وتحديد يوم سنوي يسمى يوم المغتربين السوريين “عيداً للمغتربين” يساهم بفعالية في زيارة المغتربين وأولادهم في هذا الشهر إلى سورية، ويزيد من تعلقهم بالبلد الأم، لاسيما إذا ما تم تنظيم رحلات لهم بشكل مناسب وبتكلفة معقولة لمشاهدة سورية الحضارة والآثار والأماكن السياحية والفرص الاستثمارية، إضافة لتنظيم معارض خاصة لهم، تشمل على كل ما هو تراث سوري من المأكولات إلى الملبوسات وصناعات متنوعة وغير ذلك، ناهيكم عما يعنيه اجتذاب العلماء والأطباء والأكاديميين والاقتصاديين منهم، وبالتالي إمكانية الاستفادة من إمكاناتهم كل حسب نشاطه، عبر الاستمرار في إقامة اللقاءات التخصصية والعامة كالمؤتمرات والمحاضرات والندوات لتبادل الخبرات مع نظرائهم السوريين.
شركة مساهمة اغترابية
إن وجود الملايين من السوريين المغتربين، وبما يشكلونه من وعاء هام مملوء بالقيمة المضافة الوطنية الشاملة، يوجب على الحكومة العمل على الاستفادة منها من خلال تسهيلات وقرارات ولقاءات، تجعل التفاعل قائماً في أعلى قيمة له، ولكي يكون في أعلى قيمة، فإن وجود صندوق استثماري يساهم فيه المغتربون، ويكون بمثابة شركة مساهمة سورية للمغتربين، هو كفيل بإدخال مليارات الدولارات من أجل توطينها واستثمارها.
ولزيادة الفعالية من تلك الطاقات الاغترابية نرى أن وجود لجنة للمغتربين في كل وحدة إدارية محلية (قرية أو بلدة أو مدينة) يمكن لها أن تستفيد من مغتربيها بشكل كبير، حيث يمكن أن تتواصل مع مغتربي البلدة أو المدينة وتخصص لهم أسبوعاً سنوياً لهم لزيارة مسقط رأسهم والوقوف على حاجات بلدتهم أو مدينتهم، من خلال لجنة المغتربين في المجلس، وإقامة مهرجانات للمغتربين في بلدتهم تكون ذات جدوى اقتصادية وطنية؛ لذا وجب وجود – في كل محافظة من محافظات سورية- مديرية خاصة للمغتربين، فيها كل ما يعنى بالمغتربين وعضو مكتب تنفيذي مختص بالمغتربين السوريين، وهذا يحتم وجود مديرية للمغتربين في وزارة الإدارة المحلية أيضاً.
لتأطيرها اقتصادياً
إن لسورية ثروة اغترابية كبيرة وقوية، لكن إلى الآن لم تقم الحكومة بالاستفادة المثُلى والقصوى من هذه الثروة غير المحدودة، لذلك وجب تشكيل مجلس أعلى للمغتربين السوريين أو هيئة وطنية للمغتربين السوريين، وظيفتها وغايتها ربط المغترب ببلده الأم أولاً، والاستفادة من قدراته المتنوعة لتأطيرها ضمن الاقتصاد الوطني السوري، فالمغتربون ينتظرون خطوات إيجابية وتسهيلات تجعلهم قادرين على تجيير قدراتهم الهائلة لصالح وطنهم الأم سورية؛ لأن هذه الطاقة الاغترابية ليست ناضبة، بل مستمرة ومتجددة تلقائياً.
بدأ يتسلل..!
وبرأينا أن هذا الموضوع من أهم المواضيع التي يجب أن تتصدر أولويات الأولويات الوطنية، لأن مرور الزمن بدون خطوات إيجابية تجعلنا نخسر هذه الثروة العظيمة، نتيجة بدأ تسلل الشعور السلبي لدى المغترب بأن حكومته لا توليه الاهتمام الذي يستحق؛ لأنه ووفقا للمثل السوري: “البعد جفا”.ويبقى السؤال: هل سيكون عام 2020 في سورية، عام البداية الفاعلة للمغتربين في شهر المغتربين السوريين؟! هذا هو السؤال الامتحان للحكومة..
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com