صناعة الكذب
يبدو أن العودة إلى فبركة الأخبار الكاذبة عن استخدام الجيش العربي السوري السلاح الكيميائي قد بدأت، فقد تناقلت وسائل الإعلام التابعة للإرهابيين أمس خبراً مفبركاً عن استخدام الجيش هذا السلاح في ريف اللاذقية ما نفته القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة نفياً قاطعاً…
وعندما تهدد الإدارة الأمريكية برد فعلٍ قاسٍ على أي هجوم كيميائي في إدلب، فإن هذا لا يندرج فقط في سياق الضغط السياسي لإيقاف تقدم الجيش العربي السوري، بل هو ضوء أخضر للإرهابيين لاستخدام السلاح المحظور، ومن ثم اتهام الجيش باستخدامه، تماماً كما حدث سابقاً في أكثر من منطقة حررها هذا الجيش الباسل.
ومع أن ورقة الكيميائي أصبحت ورقة محروقة، بعد أن تأكدت مسؤولية الإرهابيين عن ارتكاب الهجمات الكيميائية، وافتضح دور الخوذ البيض فيها، فإن أمريكا وذيليها البريطاني والفرنسي مستمرون في استخدام هذه الورقة، وليس هذا جديداً على واشنطن، فهي تملك باعاً طويلاً في تلفيق التهم الجهنمية لتبرير عدوانها على الدول، وتغيير أنظمتها بالقوة، وكذبة أسلحة الدمار الشامل التي اتخذتها أمريكا ذريعة لاحتلال العراق، مازالت، وستبقى ماثلة للأذهان، فقد جسّدت منتهى الانحطاط السياسي والأخلاقي الذي يمكن أن تمارسه أعظم دولة في العالم، والأدهى منه أن تستمر في انتهاج هذا السلوك حتى بعد افتضاح كذبتها واضطرارها للاعتراف بها. ولعل هذا هو ما يفسر ظهور دعوات في الكونغرس الأمريكي مؤخراً تحذّر من معلومات استخباراتية مشكوك فيها يمكن أن تؤدي إلى نشوب حرب مع إيران، إذ من الواضح أن الاستخبارات الأمريكية لا تتورع عن فبركة أي معلومات كاذبة لاستغلالها في تبرير العدوان العسكري على إيران إذا أقدمت عليه إدارة ترامب.
إن الصناعة الأمريكية الأكبر هي صناعة الكذب، وتزوير الحقائق، واعتماد أقذر الوسائل لتبرير أقذر الغايات، وتلك هي حقيقة الدولة الأعظم في النفاق، والتي تتستر بالشعار الإنساني لقتل الإنسان، وبالشعار الديمقراطي لقلب الأنظمة، والهيمنة على الدول، ونهب ثرواتها، والتي لم تعد تستطيع تثبيت تفوقها الدولي، إلّا من خلال ممارسة دور شرطي العالم، ذلك الشرطي الفاسد الذي تزكم أفعاله الإجرامية الأنوف.. إنها أمريكا التي لا تستطيع كل قوتها العسكرية والاقتصادية أن تحجب عن الأنظار حقيقة أن هيمنتها العالمية قد دخلت طور الأفول. والمفارقة أنها في هذا الوقت الحرج الذي تواجه فيه الهزائم في سورية وإيران وفنزويلا، وتحتار في كيفية التعامل مع معسكر الدول الصاعدة الذي يناهض هيمنتها، ويسعى لتصحيح الخلل الدولي، وإعادة الاعتبار للشرعية الدولية، وسيادة الدول، تجد في خادماتها الخليجيات التي وافقت مؤخراً على إعادة الانتشار الأمريكي في المنطقة الدجاجة التي تبيض لها ذهباً، وتطيل في عمرها العدواني البغيض.
محمد كنايسي