السفير ميغيل بورتو لـ”البعث”: العلاقات السورية-الكوبية قوية ومتجذرة قانون “هيلمز- بيرتون” لخنق الشـــعب الكوبي وهـدف التـدخل في فنزويلا هو ســرقة النفط
بابتسامة عريضة، استقبل ميغيل بورتو سفير جمهورية كوبا في دمشق مندوبي صحيفة البعث، هذه الابتسامة التي تعطي الانطباع بأن من عانوا أطول حصار في التاريخ ما زالوا ثابتين لا تكسرهم عقوبات اقتصادية ولا حتى حصار تجاري أو تهديدات عسكرية، هم يشبهون كثيراً السوريين الذين إن أتت عليهم الأزمات خرجوا من تحت رمادها أقوى من ذي قبل. كان اللقاء في مكتب متواضع، لكنه يحمل دفء المحبة بين البلدين، ويحمل عزيمة وإصراراً على تحدي الحياة، وتحدي كل الظروف التي فرضها الحصار الأمريكي الجائر.
خلال سنوات الحرب على سورية وقفت بلادكم موقفاً مشرفاً إلى جانب سورية، هل برأيكم أن تشديد الحصار على كوبا هوفي جزء منه لمعاقبتها على مواقفها.
التضامن مع سورية عمره أكثر من 50 عاماً، وخلال سنوات الحرب الأخيرة قدّمت كوبا العديد من المنح الدراسية والدراسات العليا للطلاب السوريين، كما أن هناك عقوداً من أجل توريد الأدوية النوعية، وأدوية التكنولوجيا الحيوية من كوبا، وهناك عدة اتفاقيات وُقّعت في مجال الصحة والتربية والثقافة، ونحن نعمل حالياً بجهود عالية من أجل تعزيز العلاقات بهذا الاتجاه. وسورية لديها العديد من الإمكانيات، فهناك الكثير من السوريين المهنيين تخرجوا من جميع جامعات العالم. وقبل الحرب لم يكن على سورية أية ديون خارجية، ولذلك نحن نسعى لتعزيز التعاون في القطاعات التي يحتاجها البلدان، وهناك اهتمام خاص من أعلى المستويات في سورية تجاه تعزيز العلاقات بين البلدين.
وهناك العلاقة الطيبة والتاريخية بين حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي الكوبي،وفي منتصف حزيران القادم سيكون هناك زيارة لوفد من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في كوبا إلى سورية، وسيكون لها برنامج زيارة ولقاءات مع أعلى المسؤولين في الدولة والحزب.
هل أنتم مستعدون لمواجهة الاحتمالات كافة، بما فيها المسلحة خاصة وأن ترامب يهدّد دائماً بالتدخل العسكري المباشر؟.
إن العقوبات والإجراءات القسرية المفروضة، وخصوصاً المفروضة أخيراً وفق قانون “هيلمس- بيرتون” الأمريكي هي لتشديد الحصار وتضييق الخناق على كوبا، لكن ذلك لن يؤثر على هافانا وعلى علاقاتها مع الدول الأخرى. وكما يعلم الجميع فإن قانون “هيلمز- بيرتون” له أبواب عدة وكل باب يعزّز الحصار في قطاع محدّد، فهنالك باب على سبيل المثال يمنع المواطنين الأمريكيين من السفر إلى كوبا، ويمنع الدولة الكوبية من استخدام الدولار الأمريكي في تعاملاتها مع الخارج.
هم يتكلمون عن عقوبات تؤثر على الحكومة، لكن في الواقع هي تؤثر على الشعب الكوبي وليس على الحكومة، فعلى سبيل المثال هناك مادة تمنع سفر أي مواطن من أمريكا إلى كوبا على الرغم من وجود مليون ونصف المليون كوبي في أمريكا، أي أنها تمنعهم من التواصل أو الاتصال مع أقربائهم، والهدف من كل ذلك هو خنق الـ 11 مليون كوبي، وهذا وجه آخر من قانون “هيلمس- بيرتون”.
إضافة إلى ذلك، إن الإجراء الذي وقّعه الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية هو الباب الثالث من قانون “هيلمس- بيرتون” والذي له علاقة بجميع ممتلكات الكوبيين قبل الثورة، وبالشركات الأمريكية الموجودة في كوبا، وهنا يعتقد ترامب أن باستطاعته استرداد الممتلكات الأمريكية السابقة، ولكن الهدف الخفيّ لهذه الإجراءات هو خنق الشعب الكوبي، والتأثير على المورد الأساسي الكوبي وهو قطاع السياحة.
إدارة ترامب تكرّر في فنزويلا السيناريو نفسه الذي نفذته في سورية، وتحت الشعارات الزائفة نفسها، كالديمقراطية وحقوق الإنسان، كيف تقيّمون الصمود السوري وهل يعتبر ملهماً؟.
الكل يعلم أن فنزويلا هي من أهم مصدّري النفط في العالم، وهي أكثر بلد يساهم في تصدير النفط إلى كوبا، والولايات المتحدة لم تقم بمعاقبة المرافئ فقط بل السفن الفنزويلية التي تنقل النفط إلى كوبا، ولذلك هذه الإجراءات ليس لها علاقة بالإنسانية كما تدّعي وسائل الإعلام الغربية والأمريكية بل من أجل تجفيف الموارد في قطاعات مختلفة، وللأسف الرئيس الحالي للولايات المتحدة والإدارة الأمريكية يجهلان ما يتعلق بالسياسة، وهم أيضاً يجهلان تاريخ الشعب الكوبي الذي يعاني من الحصار منذ 60 عاماً.
لقد مرّ الكثير من الرؤساء على الولايات المتحدة، ولم يحقّقوا ما يريدونه، ولن يكون ترامب هو من سيحقّق هذا الهدف على الإطلاق. وحتى هذه العقوبات فإنه لن يكون لها أي تأثير على علاقة كوبا مع دول العالم، أو على علاقة كوبا مع فنزويلا أو مع دول أمريكا اللاتينية، بل سوف يتمّ تعزيزها أكثر فأكثر. وكما تعلمون بعد 8 سنوات من الحرب على سورية أدرك جميع من تآمر عليها أنهم غير قادرين على تدمير سورية ومنع تطورها.
الأمر ليس له علاقة بالديمقراطية في فنزويلا على الإطلاق، طبعاً نحن نتكلم عن بلد مثل فنزويلا لديه حقول نفط تُعدّ الأولى في العالم، والذهب والغاز والماء، والثروات الباطنية، كل هذه الثروات موجودة على بعد ساعات من أمريكا، طبعاً النفط القادم من السعودية يحتاج إلى 45 يوماً للوصول إلى أمريكا، هذا هو الهدف الأساسي للتدخل في فنزويلا، والتاريخ أثبت أنه كلما كان هناك عملية اجتماعية في أية منطقة بالعالم يتمّ استهداف المجتمع، وهو ما حصل في سورية، والعراق، وليبيا، واليمن، والأراضي الفلسطينية المحتلة، في الواقع لا يهمّهم على الإطلاق موضوع الإنسانية وإنما الثروات، لذلك لن يستطيعوا تدمير الثورة الكوبية، أو الثورة الفنزويلية، كما لا يستطيعون تدمير سورية.
تتعرض بلادكم لحصار أمريكي خانق وهو أطول حصار في التاريخ، وكما تعلمون باتت سياسة الحصار التي تتبعها إدارة ترامب تأخذ بعداً دولياً، ما هي الآليات التي اتخذتها بلادكم لمواجهة هذا الحصار الأمريكي، وهل هناك مشروع لتشكيل حلف عالمي لمواجهة هذا النوع من العقوبات؟.
هذا له علاقة بالقوى الكبرى في العالم، كوبا ستكون سعيدة وترحب بذلك، بل ستساهم في أي حلف جماعي لمواجهة سياسة الحصار الأمريكية. طبعاً مشاركة الصين في الخزانة الأمريكية، ومساهمة الصين في السوق الأمريكية، والبنوك الأمريكية، ممكن أن تدمّر الاقتصاد الأمريكي. قرأت منذ فترة أن الصين تحاول خلق نظام بنكي أو مالي مستقل عن النظام الأمريكي، ورأينا أن ترامب فرض ضرائب على جميع المنتجات والسلع الصينية التي تدخل السوق الأمريكية، لأن ترامب خائف من هذا، كما قرأت أيضاً مقالاً يقول إن مقتل القذافي لم يكن بسبب الداخل الليبي، بل لأن القذافي كان يطور عملة خاصة بـ ليبيا، ويطور مخازن الذهب، ويسعى لتأسيس عملة لجميع دول القارة الإفريقية.
وطبعاً لدى أمريكا خوف من أي تحالف بين الصين وروسيا وإيران، وخاصة فيما يتعلق بالغاز وطريق الحرير، كما أنهم يخشون من أن يكون هناك طريق لنقل الغاز يؤثر عليهم وعلى حلفائهم في القارة الأوروبية، وبالطبع مثل هذه المخاوف تخلق المواجهات، وبرأيي كسياسي إذا قُطعت كل الطرق التجارية عن سورية، أو على سبيل المثال قُطع عنها النفط ولم يسمح لناقلات النفط بالعبور إليها، وإذا حاولوا خنق سورية من خلال التضييق عليها عن طريق الحدود مع تركيا والعراق والأردن ولبنان، هذا بالطبع سيجبر سورية على تطوير نفسها، وتطوير مصادرها ومواردها للعيش، وكذلك الشيء نفسه ينطبق على إيران، فإذا مُنعت من تصدير نفطها ستكون إيران مجبرة على إعادة تفعيل برنامجها النووي، وسوف تبحث عن تحالفات جديدة من أجل البقاء على الحياة والعيش، وإذا أنشؤوا قواعد عسكرية على حدود روسيا من جميع الجهات فإن روسيا ستبحث عن تطوير قدراتها الدفاعية الذاتية، وأنا أقصد بذلك أن سياسة أمريكا هي من تدفع الآخرين للقيام بهذه التحالفات، وإذا ضغطنا على الدول إلى حدٍّ ما فإن هذه الدول ستقوم بالبحث عن تحالفات أخرى في سياقات جديدة، وأنا أعتقد أن سياسة الإدارة الأمريكية الحالية وإدارة ترامب هي التي ستؤدي إلى تحركات من هذا النوع، ربما نكون ممنونين لهذه السياسة وخاصة في سورية وكوبا وفنزويلا، طبعاً عندما تشدّد الحصار على بلد فإنه لا شك سيبحث عن تطوير نفسه والبحث عن المصادر الأخرى والاعتماد على الذات، وهذا ما حصل في كوبا ويحصل في سورية، وأنا أرى الآن أن ما يجري في سورية هو نحو تعزيز الإنتاج الوطني، وهناك معارض كثيرة عن ذلك، وهذا شيء إيجابي في النهاية، لأن هذا الحصار يعزّز ويطور الإمكانات الذاتية للبلد، ولدى كوبا وسورية الكثير كي يتم التبادل بينهما، وهذا ينطبق على جميع الدول المحاصرة.
جزء كبير مما يحدث في كوبا وفنزويلا يأتي في إطار مشروع ترامب للقضاء على الأنظمة الشيوعية حسب تعبيره، ما هو تفسيركم لدوافع وأهداف هذه الهجمة؟.
طبعاً نحن نتكلم عن النظام السياسي والمصالح الاقتصادية والمالية والتجارية والثروات الباطنية والمعدنية، كوبا لديها حكومة وحزب شيوعي، لكن الوضع فيها يتطوّر كما يحصل في العالم، وكما حصل في الحزب الشيوعي في الصين وروسيا، طبعاً الشيوعية حالياً بدأت تأخذ منحى وأساليب وطرقاً أخرى، بمعنى أنه تمّ تعديلها، طبعاً الشيوعية الحالية مختلفة عن الشيوعية في السابق، وحتى النظام الرأسمالي هو الآن متغيّر عما كان عليه في السابق، العالم يتغيّر، حالياً الحزب الشيوعي في كوبا هو أكثر ديناميكية ولديه خطط وبرامج عمل متنوعة، وهذا بسبب تطور العالم المحيط بـ كوبا، لكن هناك خطوطاً حمراء، وهي الحفاظ على الاستقلال، والسيادة، والحرية، والأممية، هي مبادئ لا تتغيّر على الإطلاق، وعلاقات كوبا لن تتغيّر مع الأصدقاء أبداً.
لم أتوقع أن يزور رئيس لأمريكا كوبا على سبيل المثال، زار الرئيس الأمريكي كوبا وتمّ فتح السفارة في هافانا، وكل إمكانات التفاوض والحوار موجودة على الطاولة، لكن على قاعدة الاحترام المتبادل، وعدم النظر إلى كوبا كمستعمرة وإنما النظر إليها كدولة مماثلة، بهذا الحوار يمكن التفاهم على كل شيء، كل الخيارات مطروحة على الطاولة، إذا أحبوا الحوار أهلاً وسهلاً، وإذا أرادوا أن يعزّزوا الحصار أيضاً أهلاً وسهلاً.
كنتُ أتحدث منذ فترة مع عدد من الأصدقاء السوريين بأنه لا يوجد نفط في سورية، وتقطع الكهرباء، وأحياناً أنت بحاجة ليومين لتعبئة البنزين، نحن في كوبا وصلنا في بداية الحصار ومراحله الأولى إلى صفر مازوت، صفر بنزين، صفر كهرباء، وحتى النقل لم يكن موجوداً، مهما كانت العقوبات ومهما اشتدت ظروف الحرب لن نغادر سورية على الإطلاق.
كلمة أخيرة تودون توجيهها عبر صحيفتنا؟.
إذا أردنا الحديث سنتكلم لساعات، دور الصحافة أهم من السلاح، كنت بسفارة كوبا في العراق عام 2003 عندما دخل الجيش الأمريكي بغداد، كنت قريباً جداً من جسر بغداد عندما دخلت الدبابات الأمريكية إلى العاصمة وكان الصحفيون داخل الدبابات الأمريكية، الإعلام والصحفيون يخلقون الحروب وعن طريق الإعلام يمكن فبركة الأكاذيب مثل خلق الهجمات الكيميائية على سبيل المثال. الصحافة هي التي خلقت أصحاب “الخوذ البيضاء” تحت اسم عمال إنسانيون، والصحافة هي التي تخلق الإرهابيين تحت اسم المدافعين عن الإنسانية، لذلك العمل الإعلامي والصحفي مهمّ جداً، في عالمنا الحالي الصحافة هي من تخلق الرأي العام.
للإعلام دور مهمّ في إعطاء الصورة الحقيقية عن مستقبل سورية، والصحافة في سورية هي من حملت مسؤولية نقل حقيقة ما يجري في سورية، لأن الصحافة الغربية لا تزال تزرع فكرة أن سورية مازالت في حالة الحرب، وهي ورقة يستخدمونها عند الحاجة إليها، وهم يروّجون أنه لا يوجد أمن في سورية، وأن الحكومة السورية ليس لها أي سيطرة على الوضع وغير قادرة على ضمان الأمن في المناطق المحررة، وأن المهجرين لا يمكنهم العودة إلى مناطقهم، طبعاً كل شيء مخطّط له خطوة بخطوة، والإعلام هو الأداة الأهم في أيديهم، وما يحصل في فنزويلا مشابه كثيراً لما حصل في سورية.
هم يحاولون الترويج أنه لا يوجد أمن غذائي في فنزويلا، وأن هناك مظاهرات في الشارع، وأن الحكومة غير قادرة على السيطرة، وعليهم القيام بانتخابات على الطريقة الأمريكية أو كما تريد أمريكا، وحتى الوصول لتهديد أشخاص محدّدين. في سورية على سبيل المثال، قامت أمريكا بتهديد حكومات ورؤساء لمنع عودة سورية إلى الجامعة العربية، وهناك كثير من الدول الراغبة بافتتاح سفاراتها في دمشق، وهناك بلدان كثيرة عرضت مشاركتها في إعادة إعمار سورية، والكثير من الشركات الخاصة مهتمة بإقامة شراكات من الشركات السورية، ولكن الإعلام لا يتكلم عن هذا على الإطلاق، الإعلام يتحدث عن النتيجة دون ذكر الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة. في فنزويلا فرضت أمريكا عقوبات على شركات النفط، وعقوبات على المؤسّسات في الخارج، كيف يمكن لحكومة فنزويلا تأمين احتياجات السكان.
إذاً رسالتي هي نشر وبث الحقيقة، ويجب علينا ألا نتعب على الإطلاق، لأن الحرب لم تنتهِ بعد وهي الآن أخذت شكلاً آخر، فالحرب الاقتصادية والحرب التجارية هما أيضاً حروب من نوع آخر، والغرب لن يتقبل بسهولة أنه خسر في سورية. صحيح أننا في نهاية الربع الأخير من الحرب العسكرية إلا أن الحرب لم تنتهِ، لذلك يجب العمل معاً لنشر حقيقة ما يجري في سورية، ونحن في تقاريرنا الإعلامية لا نعكس حالة الحرب والأخبار الحربية، بل نعطي الأهمية لأخبار إعادة الإعمار، وتعافي سورية، والمعارض، والنشاطات الاقتصادية التي تقوم بها سورية، ونركز على الوفود السياسية والاقتصادية التي تزور سورية. ولدينا حالياً نيّة وخطط عمل لزيارة عدد من المحافظات الأخرى، وهدفنا من هذه الزيارات إظهار سورية كيف تعيش في المناطق المحررة، وكيف تمّ تأمين الخدمات (المشافي- المدارس) بعد عودة المهجرين إلى المناطق المحررة، في الواقع هذه هي إستراتيجيتنا الإعلامية، الشعب السوري متعب من إراقة الدماء وهو بحاجة إلى العيش لأنه يستحق الحياة.
أجرى اللقاء: علي اليوسف- عناية ناصر تصوير: قاسم سليمان