الهروب إلى الأمام؟!
قد يكون التفكير باستقدام زراعات جديدة (أفريقية وآسيوية) أمراً في غاية الأهمية، ومحاولة متقدمة في طرق التعاطي مع الواقع الزراعي المثقل بالوسائل والخطط التقليدية التي لم تعد قادرة على إعطاء عائدية اقتصادية مشجعة ومحفزة للعمل الزراعي، وسواء كانت تلك المحاولات الباحثة عن زراعة جديدة ومنتجات أكثر ربحية على مستوى التجارب الفردية، أم على نطاق أوسع وضمن استراتيجية زراعية متكاملة، فإن الحديث عن الضمانات الإنتاجية والتسويقية لهذه المنتجات الزراعية يبقى غامضاً وفي ذمة المجهول، وخاصة ما يتعلق منه بالجدوى الاقتصادية التي باتت غائبة بشكل كبير، وخاصة في زراعة الحمضيات.
وفي الوقت الذي تتعدد فيه الأفكار الزراعية التي تنتظر على أبواب التنفيذ، تتسع دائرة الجدل حول نجاح السياسة الزراعية التي تعمل وزارة الزراعة على تطبيقها، ومدى فاعلية ما تقوم به من أجل تثبيت الفلاح في أرضه، وهو يطالب اليوم بحلول جذرية تكون سنداً له في الحفاظ على ما تبقى من أرزاقه التي أفنى حياته في الدفاع عنها، والعمل ليل نهار من أجل الحفاظ عليها، ولا شك أن الضربات الموجعة التي يتلقاها في كل عام تثبت أن آماله اتكأت على الكثير من المصفوفات الورقية التي كانت سبباً مباشراً في زيادة خسائره، وتعميق مشكلاته، حيث أمعنت جميع الجهات التي تتنافس خطابياً بطرح الشعارات والأهداف الكبيرة التي لا يكتب لها التنفيذ، وتبقى مكدسة في ملفات عامرة بالإخفاق، عدا عن التفاوت الكبير في الأرقام التي تقدم ضمن منظومة الدعم الزراعي، وبين ما يصل إلى أرض الفلاح بشكل فعلي دون أية منغصات وأعباء مالية إضافية وغير قانونية، وهنا لن نتكلم عن المعادلات التي تطرح في كل المناسبات دون أن يكون لها أساس في حياة الفلاح.
وما يثير الغرابة أنه في الوقت الذي يهدد الأداء الضعيف القطاع الزراعي برمته، ترتفع وتيرة الأحاديث الصادحة في ساحة الإنجازات والأرقام والمشاريع والبرامج التنموية التي لو صدقت بنتائجها لكان الفلاح بألف خير، ولا شك أن ارتفاع تكاليف المستلزمات الزراعية، ونقصها، والاعتماد على السوق السوداء لتأمينها، يغرق أية إجابة في التكرار الممل وغير المجدي، خاصة أن الجهات المسؤولة لم تف بالتزاماتها ووعودها بتأمين تصريف المنتجات وتسويقها، ومراقبة الأسعار، وانتهاج سياسة تساهم في تأمين المستلزمات الزراعية، وتسهيل وصولها للفلاحين كي تضمن حقوقهم، وتحافظ على أرضهم، وطبعاً الطرح هنا ليس بقصد الإساءة لأية جهة، بل مجرد محاولة لإيقاظ من استسهل الوعود على حساب العمل الفعلي.
ولا شك أن الاستمرار في الاختباء وراء الظروف لتبرير الانتكاسات الزراعية المتتالية لم يعد مقبولاً، ولابد من عمل جاد يهيىء لمرحلة قادمة تحمل مؤشرات مبشرة بمواسم عامرة، وهذا يستدعي تغيير نهج تجيير المشكلات من عام إلى آخر، وإيجاد منظومة دعم حقيقية للفلاح تمنحه فرصة استثمار كل شبر من أرضه، كما يجب الانتباه إلى أهمية تقليل الحلقات الوسيطة لجهة تأمين مستلزمات الإنتاج، وما يجري في مساراتها من فساد، واقتناص الكميات، والمتاجرة بها من قبل بعض المنضوين في إدارات وهيئات عاملة في المجال الزراعي، وبذلك تتحول الأقوال إلى أفعال.
والسؤال الأهم في هذا الملف، سواء تم تبني زراعة هذه المنتجات الجديدة أم لا: هل وزارة الزراعة مهيأة الآن للارتقاء بأدائها الغارق في التكرار الذي زرع السراب في بيادر الفلاح، أم أنه سيناريو جديد للهروب إلى الأمام؟!.
بشير فرزان