دراساتصحيفة البعث

روسيا والصين… أي تحالف؟

علاء العطار
لم يكن منتدى الحزام والطريق الثاني للتعاون الدولي الذي عقد في بكين قبل شهر حدثاً عادياً، بل كان من أهم المنتديات العالمية كونه حدد ملامح التموضع الاقتصادي والجيوسياسي لعدد كبير من دول العالم، ولا شك أن حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كضيف رئيسي زاد من تأكيدات تلك الملامح الجديدة.
ومن ينظر إلى السياسة الهادئة التي تتبعها الصين، يرى أن التغيير الاستراتيجي الرئيسي الذي قامت به بكين هو إنشاء وتطوير فضاءات متعددة الأطراف لمناقشة قضايا التنمية الدولية الحرجة. في السابق كانت السياسة الخارجية الصينية تهدف إلى حل القضايا في شكل ثنائي الاتجاه، “وجهاً لوجه”، والآن تتبنى بكين بشكل متزايد استراتيجية كانت تستخدم سابقاً في الولايات المتحدة وبين أقرب حلفائها بشكل رئيسي. لقد كانت القدرة على إنشاء تحالفات دولية واسعة بدلاً من العمل المنفرد هي مفتاح النجاح في الماضي، ومازالت كذلك في العالم الحديث. ليس من قبيل الصدفة أن الولايات المتحدة وقفت دائماً في وجه إنشاء مثل هذه المجموعات إن لم تستطع السيطرة عليهم، وحاولت بشتى الوسائل الإبقاء على “العزلة الاستراتيجية” في الصين وروسيا والهند.
لذلك إن النهج الفلسفي المتعدد الأطراف لحل المشكلات الدولية الكبرى هي وسيلة الصين الفعالة للتغلب على الاعتماد المفرط على الذات، لأن التجربة التاريخية تُظهر أن المسافة بين سياسة “تجميع القوة والتواري عن الأنظار” والثقة بالنفس كقوى العظمى قد تكون قصيرة للغاية، وستواجه مشاكل خطيرة. لذلك يمكن أن تصبح الصين قائداً عالمياً حقاً ويتسم “بالحكمة”، لأنها تعتمد بشكل واضح على النُهج والمؤسسات متعددة الأطراف، وهذا ما يفسر لجوء الدبلوماسية الروسية إلى الصين لاتخاذ مثل هذه الخطوات.
وأخيراً وليس آخراً، تحتاج كل قوة (للحفاظ على النظام الدولي، والقوة هي عنصر لازم) لأن تتجسد بشكل ما، وهذه مسألة أخرى من حيث المبدأ، سواء تجسدت هذه القوة بشكل هيمنة قاسية، أم كانت مستعدة لاعتماد آليات مرنة متعددة الأطراف من أجل حل القضايا الحرجة. وعليه تحتاج الصين في سبيل تنفيذ برنامجها الطموح للتنمية إلى موارد هائلة، وعليها القيام بذلك بحيث يكون الوصول إلى هذه الموارد مصحوباً بأن يقوم جميع المشاركين في العملية بإعطائها المزايا النسبية، وهذا يعد مهمة صعبة للغاية. وها هي روسيا مستعدة لأن تكون أكثر من مجرد حليف صغير بل كشريك مكافئ، كما اتضح في تصريحات رئيسها في منتدى الحزام والطرق.