“شوكة في الحلق” في ميزان النقد
تغري رواية الأديب نصر محسن “شوكة في الحلق” في استكشاف صورة المثقف العربي، هذه الصورة المقدمة بلغة إشارية رشيقة وسريعة، لغة تحتية سرّانية تشي وتشف، لغة مقتصدة تقوم بتعرية الذات والواقع بلا تنظير أو استطالات، لغة تشير إلى الجرح والوجع، وتترك الباب مفتوحاً لأسئلة لا تنتهي.
صورة المثقف السلبية
تتحدث “شوكة في الحلق” للروائي نصر محسن عن الواقع الثقافي، وكيفية التعامل معه اجتماعياً مع التركيز على أزمة المثقف العربي، وفي قراءة نقدية للرواية في فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب قدم الناقد عماد فياض صورة المثقف في الرواية وركز على شخصية سلفادور العربي البطل المحوري في الرواية، وصورة المثقف السلبية التي يمثلها فقال: هو فنان تشكيلي مبدع ومتميز يعيش في مدينة ساحلية، اسمه الحقيقي بشير عبد الله. سلفادور إنسان مستلب غير قادر على اتخاذ قرار تتقاذفه الآراء والأفكار، يبدو في أحيان كثيرة منقاداً للآخرين يتفرج على الأحداث يراقبها ويتأملها ليس له أي دور فاعل أو رأي صريح، ويبدو كأنه مسكون بالخوف، هو مثقف يعيش حياة بسيطة مما تدره عليه لوحاته من دخل، نجده مرات كثيرة يتحدث مع نفسه يهجس لها بما يضمره، وهذا الهاجس بكسب المال راوده من بداية الرواية.
إن في كشف سلفادور العربي لحالات الثراء ومحاولته لتحسين وضعه المعيشي إشارة إلى رغبات مكبوتة لديه بالثراء وهذا يمثل شخصية المثقف العربي أصدق تمثيل هو يريد وجاهة اليسار الفكري وترف اليمين، لكنه لا يستطيع البوح بذلك لأنه تتنازعه الأفكار والوساوس والرغبات المكبوتة في كيفية البقاء مخلصاً لأفكاره والكتب التي قرأها، ملتصقاً بالفقراء والأحياء العشوائية والغنى، وهذه الإدانة الأولى لشخصية المثقف، وتتكرر الإدانات والتي ربما أهمها عندما اعتُقل أستاذه د. حميد عارف، لم يحتَج، لم يرسم لوحة تجسد نضال ومأساة الدكتور، ما فعله تمثل في سجن نفسه لمدة ساعتين في غرفة صغيرة، وكان يقوم بحبس نفسه مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع وهذا بالتأكيد يشير إلى شخصية سلفادور العربي الجبانة العاجزة عن اتخاذ موقف علني، شخصية انسحابية هروبية تلتف على الواقع.
والإدانة الأخرى لصورة المثقف تتضح في موقفه المتفرج على الأحداث أمام غزو العراق وحرب تموز في لبنان، لم يتطوع للقتال أو حتى لم يشارك في أي جهد لدعم المقاومة في كلا البلدين، بالإضافة إلى علاقته بالمرأة وانهزامه أمامها، هذا الانهزام الذي شكل له جرحاً مفتوحاً.
قهقهة
“خلق الكاتب شخصيات بنفسه وقرر مصائرها وأملى عليها تصرفاتها وحواراتها الخارجية والداخلية، شيء يدعو للابتسام بل للقهقهة”..في مداخلته قال الأديب أيمن الحسن أن نصر محسن نافس على الخلق بجدارة فخلق شخصيات وحوادث وبنى ماضياً واستشرق مستقبلاً، وتحركت شخصيات تحمل حيواتها معها خلال مدة زمنية يحددها العدوان الإسرائيلي على لبنان وتصدي المقاومة له وهزيمته شر هزيمة، الذي تمركز حول بطله سلفادور العربي.
خلق الراوي حياة ورصد حيوات فيها معاناة وتقلبات فهل ابتسم الإله وقهقه عالياً، قد يكون فعل الله لاسيما بعد أسر الجنديين الإسرائيليين وثبات المقاومة وهزيمة عدوان إسرائيل رغم الدمار، إن شخصيات الرواية من تونس والعراق ولبنان للقول هذه هي سورية ملتقى العرب.
هذا الفنان الذي حاز جائزة كبيرة وشهد على المقاومة وانتصارها وهو جزء من مشروعه لماذا يعود إلى قريته لتخطب له أمه صبية بشكل تقليدي، ويمارس الفلاحة؟ هل هذه هي نظرة الروائي إلى تبعثر مشروع المثقف العربي وانسحابه إلى الظل ربما نتيجة عطالته؟ أم هو حنين نصر محسن إلى أرضه وحقلته في بلدته تل الشرقية في محافظة طرطوس؟، وتمنيت على الكاتب أن يكون عنوان الرواية “شوكة في القلب” لأن فيها شيء من الرومانسية وظلال غموض حبيب.
رواية الشخصية
بينما يرى د د. عاطف بطرس أن هذه الرواية تتعرض لأزمة المثقف العربي في بلد من بلدان العالم، فهو محتج ورافض ويتطلع إلى التغيير، وكلما أحرز خطوة نحو الأفضل انتقل إلى غيرها. العالم بحاجة إلى التصحيح، وأبطال هذه الرواية يحملون على عاتقهم هذه المهمة، حيث وضعنا الكاتب أمام حالة شبه مستعصية، وحمّل المثقف مسؤولية تغيير العالم، ونحن سنشعر بالإحباط لأن المثقفين لا يستطيعون تصحيحه. الرواية معمارياً هي رواية الشخصية، حيث ترتكز على شخصية مركزية هي شخصية سلفادور، إضافة إلى الشخصيات الثانوية التي تكمل الرئيسة، وتعزز إيجابياتها، وأهمها “ميساء بنت جبيل” التي يرفض الاقتران بها بسبب حالته المتشتتة، أما الزمن فهو أقرب إلى التكتيكي الخطي المتقطع المنسجم مع الشخصيات المتصدعة من الداخل التي تربك القارئ، إذ اعتمد الروائي على الوصف والحوار وأجرى موازنة دقيقة بينهما مع غلبة للوصف، وفي الحقيقة اللغة هي البطل في “شوكة في الحلق” فهي لغة وصفية أقرب إلى الشاعرية.
فقيرة الوصف
وبموضوعية وشفافية يرى الأديب حسام الدين خضور أن رواية نصر محسن تفتقر إلى الوصف، وكان الخبر فيها طاغياً حيث قال:
رواية جميلة بلغتنا وقد بذل الكاتب جهداً ملموساً في هذا الجانب، كان الوصف ضرورياً، لاسيما في الأماكن التي سُمّيت كنادي الصحفيين، وشرفات بيوت الشام “المشربيات”. في الواقع، تفتقر الرواية إلى الحدث أيضاً، والقلق الذي يطغى على الشخصية الرئيسية غير مبرر، في وقت خرج فيه من حبسة عدم القدرة على الرسم، فقد حضّر لمشروع معرض في تونس، وفازت لوحته التي أخذت الرواية اسمها “شوكة في الحلق” عنواناً لها، وعلى الرغم من ذلك الرواية جميلة توفر للقارئ متعة فنية بازخة وهذا شيء رائع في عالم الرواية.
بدوره قال القاص رياض طبرة: وضعنا نصر أمام حالتين صورة المثقف وصورة البديل، وفي الحقيقة “شوكة في الحلق” ليست في حلق المثقفين، وإنما شوكة في حلق كل من لام المقاومة ونسبوا إليها سبب الدمار والخراب، وقد تطرق إلى صورة الأم القاسية التي تخفي حنانها، وبهذا تكون قد تكاملت صور ثلاثية للرواية صورة المثقف والأم والمقاومة.
جمان بركات