بروباغندا ممنهجة لتشويه المقاومة
تحوّل الإعلام فجأة من الحديث عن التصعيد العسكري، الذي قادته الولايات المتحدة في الخليج ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى حملة إعلامية ممنهجة، تقودها واشنطن عبر إعلامها المحلي، وإعلام محور الحرب الذي تقوده في المنطقة، السعودي الإماراتي الإسرائيلي، بشكل هستيري ضد حركات المقاومة في المنطقة، وعلى رأسها حزب الله، فما الذي يقف وراء ذلك؟.
هذا التصعيد يتمّ في إقليم جغرافي واحد وضد جبهة واحدة، وهي محور المقاومة بأكمله، وليس فقط إيران، بمعنى أن من يحاول الإيحاء بأن هذا الانتقال منفصل عن المشكلة مع إيران أو غزة أو اليمن أو سورية، هو مخطئ تماماً، لأن جميع المحاولات الأمريكية لحشد تأييد عالمي لمغامرة عسكرية ضد إيران باءت بالفشل، حيث فشلت جولة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في تشكيل جبهة موحّدة لمحاربة إيران أو حتى تهديدها بالحرب، ومعلوم أن واشنطن لا تستطيع أن تُقدِم على أي عملية عسكرية دون أن تزجّ حلفاءها فيها، وقد سمع بومبيو في بروكسل، عاصمة الاتحاد الأوروبي، رفضاً واضحاً لاستخدام أوروبا في مثل هذه المغامرة، وتجلّى ذلك بشكل أوضح في سحب إسبانيا فرقاطتها التي كانت متوجّهة نحو الخليج، وتبعتها دول أوروبية أخرى.
يبدو أن التصعيد مع إيران لم يكن مطلوباً لذاته ضمن خطة واضحة المعالم معدّة مسبقاً، حيث جاء هذا التصعيد محاولة أمريكية مكشوفة للتغطية على فشل واشنطن الذريع في التدخل المباشر بالشأن الفنزويلي، بعد الرفض الروسي الصيني الواضح لمثل هذا التدخل، الذي هدّد بإشعال حرب كبيرة في تلك المنطقة، إضافة إلى رفض أوروبي للدخول في مثل هذه الحرب، ولما وجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن إمكانية خوض حرب خاطفة ضد إيران لن تتحقّق، بعد أن أقنعه قادته العسكريون باستحالة تحقيق نصر عسكري ضد إيران، أو التحكم بأمد هذه المعركة وجغرافيتها، حيث أجمعوا على أن قواعدهم العسكرية في المنطقة في مرمى صواريخ إيران، الأمر الذي يمكن أن يعرّض الجيش الأمريكي في المنطقة للإبادة وليس فقط للخطر، رأى أن عليه النزول من أعلى الشجرة التي صعد إليها، حيث حمّل مسؤولية التصعيد لمستشاره لشؤون الأمن القومي جون بولتون، وادّعى أنه لم يكن يريد الحرب، وقال: إنه التقى بمستشار من خارج البيت الأبيض، أفتى له بضرورة خفض التصعيد مع إيران، حيث تابعه في ذلك مجموعة من المسؤولين الأمريكيين في مجلس الأمن القومي والبنتاغون، وعاد ليطلق عروضه التفاوضية مع إيران عبر مجموعة من الوسطاء، أهمهم الرئيس السويسري، حيث رفضت إيران التفاوض مع واشنطن، لأنه جاء أولاً بصيغة تهديدية، وثانياً لأنه لا يمكن لترامب أن يجرّد إيران من قدراتها الدفاعية، وقد عجزت العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها خلال أربعين عاماً عن فعل ذلك.
الرفض الإيراني للتفاوض مع واشنطن، بعد الصمود في وجه التهديدات بالحرب الأمريكية، وجّه الإعلام كله نحو انتقاد سياسات ترامب وحلفائه في المنطقة، واتهامهم بالعجز، وعدم القدرة على تقدير عواقب الأمور، الأمر الذي قلب السحر على الساحر، فكان لا بدّ من إعادة توجيه الإعلام باتجاه آخر ليس بعيداً عن إيران، ولكنه ينقل الإعلام بعيداً عن الحديث في إخفاقات ترامب المتكررة.
ومن هنا، يشعر محور الحرب أن باستطاعته تعويض هزيمته أمام أحد أطراف محور المقاومة وهو إيران، بنصر آخر يحاول أن يصنعه إعلامياً على حزب الله، مع أن الجميع في هذا العالم يدرك أن القضية بالمحصلة هي مشكلة المحور الأمريكي الإسرائيلي مع محور المقاومة في المنطقة، وحتى في العالم، والنصر في لبنان هو نصر في اليمن أو فنزويلا أو إيران؟.
طلال الزعبي