استراتيجية (التمرير)!
لاشك أن استذكار بعض تفاصيل المواجهة التي تمت بين المؤسستين التنفيذية والنقابية خلال الدورة الثالثة عشرة لمجلس الاتحاد العام لنقابات العمال، يشكل ضرورة للبحث في المعنى الحقيقي للشفافية المطلوبة مع المواطن، فالمكاشفات الحقيقية التي أدانت أداء العديد من الوزارات لا يمكن حشرها في زوايا الكيدية والاستهداف الشخصي، بل كانت بموضوعيتها وما قدمته من دلائل وإثباتات تجسيداً لحقيقة الدور النقابي الذي وجه نقداً موضوعياً لتلك الأسطوانة المهترئة من الإجراءات والوعود الخلبية التي لم تتحقق بعد، ولم تحرز أي تقدم حقيقي على جبهة التغيير بكل اتجاهاته.
وطبعاً، لسنا هنا بصدد التقييم، ولكن للتأكيد على أن نهج العمل الذي تم اعتناقه والتخندق في ثنايا تشعباته الاستثمارية والتنموية والتشاركية وغيرها من المصطلحات والعناوين التي أطلقت، لتكون بوابة عبور نحو مراحل قادمة، زاد من التحديات والتعقيدات التي أتاحت الفرصة لاقتناص الغنائم، وبدلاً من حلحلة وتفكيك منظومات العمل المؤسساتي الفاسدة والعاجزة تم تكريس الفكر النفعي والاتكالي الذي استسهل استراتيجية “التمرير” على حساب التدقيق والمحاسبة، وهذا ما بدا واضحاً في تلك الملفات التي يشوبها الخلل في عدد من المؤسسات، أهمها شركة بردى وتوقيع العقد مع الشركة الماليزية وإعطاؤها 10% فقط من الأرباح.
ما يوجع أكثر أن يثقل الأداء ونهج العمل الحكومي خطوات مشروع الإصلاح الإداري الذي لم ينج أيضاً من الفهم الخاطئ لكيفية تنفيذيه، وهذا ما عرضه لعملية إفراغ ممنهجة من مضمونه الإيجابي ومن دسمه الإصلاحي نتيجة لمصفوفات ورقية لم تستطع الولوج إلى الواقع أو حتى مقاربة التغيير في المنظومة الإدارية سواء من ناحية الممارسة أو الفكر حيث اختزل مفهوم عمل الجهة المعنية باستراتيجية التمرير من الورق إلى الورق، وبالتالي فإن تحديد أولويات العمل فيه بشكل أدق خلال الفترة المقبلة هو ما يضمن تحقيق إنجاز حقيقي أكبر على الأرض.
باختصار المشكلة ليست فقط في قوانين أو في أشخاص يتناوبون على دفة القرار، بل في منظومة عمل فقدت المعايير والمقاييس الصحيحة وتشتت قراراتها بين رغبات المكاتب (….)؟!
بشير فرزان