مصيدة مكشوفة
لا يستطيع الإعلام الأمريكي والغربي والرجعي العربي، مهما برع في الكذب والتزييف، أن ينجح في تلميع صفقة القرن وترغيب العرب فيها، ما عدا الأنظمة الخليجية الخاضعة للولايات المتحدة والكيان الصهيوني. والدليل القوي على ذلك هو الإجماع العربي الواسع على مقاطعة مؤتمر المنامة الاقتصادي الذي لا تستطيع هويته المغرية هذه أن تخفي خلفياته السياسية والاستراتيجية التي تجعله خطوة تمهيدية لتنفيذ الصفقة. فالفلسطينيون شعباً وفصائل وسلطة، وقوى المقاومة في المنطقة، والشعب العربي في مختلف أقطاره، وما تبقى من أنظمة عربية مستقلة وحرة القرار، كلهم يقفون ضد هذا المؤتمر الملغوم في سياق مواجهتهم المعلنة لصفقة تصفية القضية الفلسطينية كما خططت لها إدارة ترامب بالاتفاق مع ” اسرائيل “.
ولاشك في أن وراء اللجوء إلى الاقتصاد كمدخل للمشروع التصفوي دهاءً سياسياً تعتقد أمريكا و”إسرائيل” أنه يمكن أن يُوقع الفلسطينيين والعرب عموماً في المصيدة، يشجعهما على ذلك التواطؤ الخليجي السافر، ولا سيما السعودي والإماراتي. لكن هذه الحسابات هي في حقيقة الأمر نتاج قراءة سطحية وتعسفية لواقع المنطقة عموماً، وواقع الصراع العربي الصهيوني بشكل خاص. فالاعتقاد الساذج أن المتغيرات التي أحدثها ربيع الخراب، وأهمها أن الصراع الأساسي في المنطقة لم يعد بين العرب والصهاينة، بل بين العرب وإيران، وما يعنيه ذلك عملياً من تحوّل معظم النظام الرسمي العربي بقيادة الرجعية الخليجية إلى أداة أمريكية صهيونية لمحاربة قوى المقاومة. هذا الاعتقاد الذي يُوهم أصحابه بأن الطريق إلى الصفقة الترامبية أصبح سالكاً، وأنه يكفي التصعيد بمختلف الوسائل العسكرية والسياسية والاقتصادية ضد قوى المقاومة، لتحييدها حتى يحقق المشروع الصهيوني أعظم أهدافه، هو اعتقاد يستند إلى وهم القوة من جهة، وإلى قصور معرفي في فهم البعد الثقافي العميق للصراع العربي الصهيوني، فضلاً عن أبعاده السياسية والاستراتيجية الأخرى، وإلا فكيف تتصور الإدارة الامريكية أن موافقة كمشة من الحكام العرب الخونة كافية لشطب فلسطين من وجدان مئات الملايين من العرب، وكيف تتجاهل أنه إذا كان النظام الرسمي العربي يمر بأخطر مراحل ترديه وتفسخه، فإن الشعب العربي، بقواه الحرة والمقاومة، يمر بأقوى مراحل صعوده، والشواهد في فلسطين وسورية ولبنان والعراق وغيرهم من الأقطار العربية، شواهد حية، ولا يعمى عن رؤيتها إلا المنفصلون عن الواقع. ولن أتحدث عن إيران التي فشلت كل تهديدات الرئيس الأمريكي وعقوباته في جعلها تتراجع قيد أنملة عن موقفها المناصر لقضية فلسطين، والتزامها المبدئي بدعم المقاومة مهما كان الثمن…
لن تنجح وسائل الترهيب والترغيب الأمريكية في فرض صفقة القرن أبداً ، فهذه الصفقة محكومة بالفشل مسبقاً ، لأنها باختصار تضرب عرض الحائط بحقائق الثقافة والتاريخ والجغرافيا، ولا تقيم وزناً لقوة الحق وإرادة الشعوب وفعل المقاومة. أما مؤتمر المنامة فمصيدة مكشوفة لن تجتذب إلا عملاء أمريكا و”اسرائيل”.
محمد كنايسي