الدراما السورية وصداها بين الناس
ما من عمل فني يستمد شرعية وجوده وبقائه واستمراره إلا من خلال الجمهور، الأمر الذي ينسحب بالتأكيد على الدراما التلفزيونية، مالئة الدنيا وشاغلة الناس، ثمانية أعوام حرب، وثمانية مواسم درامية تقلبت فيها الأعين مع الشاشات، عساها تثبت على عمل تتابعه، ليخرج الجمهور أولا قبل النقاد وقبل غيرهم من المشتغلين في هذا الحقل، ليقولوا كلمتهم: (أين درامانا وماذا صنعتم بها؟)، واليوم في العشر الأخير من الموسم الدرامي الحالي 2019، كان لا بد أيضا من معرفة رأي هذا الجمهور، ففيه تستمر تلك الأعمال كما قلنا، وبه إن رغب عنها، تندثر.
هناك ما نشاهده كعائلة
العبارة السابقة هي ملخص ما قاله الرجل الخمسيني”رمضان السامري”، الذي فاجأنا بلهجته الدمشقية السلسة، رغم كونه من العراق الشقيق، وكان قد جاء وأسرته إلى سورية بعد ما حدث في العراق الحبيب من ويلات: “نعم أنا من العراق، وحتى عندما كنا هناك، كانت إبر صحوننا اللاقطة متوجهة إلى حيث تلتقط القنوات التي تعرض الأعمال الدرامية السورية لسويتها الفنية الراقية وحكاياتها التي لا يُمل منها، مسلسلات بمنتهى الرقي، مادَ بها الزمن كما مادَ بكل شيء، لكننا الآن كبارا وصغارا، نرى شيئا مختلفا عما سبق في السنوات المنصرمة، فالعديد من الأعمال التي كنا نبدأ بمتابعتها بعد الجمهرة الدعائية لها، كانت تسقط بعد أول أو ثاني حلقة بالكثير من جدول المتابعة، وهكذا كان يمضي الشهر الكريم، وأنا وأسرتي لا نستطيع الاتفاق على حضور عمل واحد كأسرة”، وطلب “رمضان” أن نلجأ لظل نستظل به تحت سماء دمشق وشمسها الحادة، وبينما منطقة البرامكة، تعج بالناس، طلاب وموظفين، باعة متجولون وآخرون جالسون خلف بسطاتهم الفقيرة ينتظرون قوت يومهم تابع: “هذا الموسم استطعنا أن نحسم الخلاف واتفقنا في اليوم الخامس من بدايته على متابعة ثلاثة أعمال، ميزتها الأولى أنها للعائلة، بمعنى أنني لست مضطرا وحرمنا المصون، للإشاحة بوجهنا نحو السقف، كلما ظهر مشهدا ما ليس خادشا للحياء العام فقط، بل هو مؤذ للنظر، خصوصا في الأعمال التي كانت تدعي أنها عن الحب وقيمه الأسمى، هذا الموسم دعني أبارك لكم بما صنعتم، وعسى أن تعود الحياة الطبيعية لكل مكان في هذا البلد، الذي لم أغادره عندما اشتعلت فيه النار كما حدث معي وأسرتي في بغداد، وهانحن كما ترى بكل الخير”.
هناك ما هو مبشر
السيدة الثلاثينية فاتن أم شام، وهي موجهة تربوية، ورغم استعجالها إلا أنها استشعرت أهمية الموضوع فقالت: “بالتأكيد جاء هذا الموسم مختلفا، خصوصا وأنه حمل عدة أعمال تستحق المتابعة رغم أعباء العمل التي لا تنتهي، وهناك بالمقابل مسلسلات لا أعرف إن كان بإمكاني وصفها بالسورية، لا زالت على ما هي عليه، لا حكاية معقولة، ولا أداء مقنع، عدا عن عدم احترام عقول المشاهدين، كحال بعض الأعمال صاحبة الأجزاء، تلك التي تحتار فعلا إن كانت مسلسلا أم فيديو كليب طويل على الطريقة اللبنانية، لكن عموما أنا مستبشرة خيرا، ودعنا لا ننسى أنه ثمة رجال وزوجي منهم، حفظهم الله ونصرهم ورحم أرواح من استشهد منهم، لولاهم لا دراما لدينا ولا حتى بلاد ربما”.
الشباب صنعوا الكثير
العديد من الأشخاص لم يريدوا الخوض في الموضوع، وابتعدوا وأنا أحاول إقناعهم أنه ما من كاميرا للتصوير، لكنهم مضوا في حال سبيلهم، حتى توقف الشاب رامي، وهو طالب حقوق سنة ثالثة إذ قال:
“لسنا كما تصفوننا في الإعلام عموما بجيل النت والفيس.. الخ، فالتلفاز لا يزال يجلس بكل أبهته في صدر المنزل، وحوله وفي نهاية كل يوم عمل، ترانا مجتمعين كل يريد أن يتابع المسلسل الذي يحب، وهكذا يرضى البعض والبعض الآخر يلجأ “لليوتيوب” ليتابع مسلسله المفضل”، ومرة أخرى تنصتت الشمس بأشعتها الحامية على ما نقول، فاخترنا ظلال حديقة كلية الحقوق فيتابع رامي حديثه: “أهم ما يمكن ملاحظته هذا الموسم أن المسلسلات التي كتب حكايتها الشباب عموما، هي الأكثر حظا بالمتابعة، عدا عن تراجع كبير جدا لمشاهدة ما يُسمى بأعمال البيئة، خصوصا وأن هذه الأعمال صارت ومنذ مدة تكرر نفسها بحبكة ساذجة لا يقبلها حتى من كتبها ربما، نحن الآن نشرف على نهايات تلك الأعمال، والأمور بخواتيمها كما يقال، لكن عموما، هذا الموسم أفضل بنسبة 60 بالمائة على الأقل من مواسم سابقة”.
الجمهور لا يعرف المجاملة، لا أمام الكاميرا ولا خلفها، إنه يقول رأيه ببساطة وبعيدا عن “فزلكة” الآراء الملغومة بعبارات وجمل لا يمكن من خلالها معرفة حقيقة الرأي الذي قاله هذا (المختص) أو غيره عما ذهبنا إليه في سؤالنا، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على صوابية ما افتتحنا به هذا المقال: (ما من عمل فني يستمد شرعية وجوده وبقائه واستمراره إلا من خلال الناس-الجمهور).
تمّام علي بركات