هل تأخرت الدراما بدخول عوالم الصوفية؟
يتضمن الموسم الدرامي الحالي عملين تاريخيين عن أشهر المتصوفة في التاريخ هما العاشق _ صراع الجواري (تأليف احمد المغربي، إخراج علي علي، إنتاج تلفزيون أبو ظبي) الذي يتحدث عن سيرة حسين بن منصور الحلاج، ومقامات العشق (تأليف د. محمد البطوش، إخراج احمد إبراهيم احمد، إنتاج تلفزيون أبو ظبي أيضاً) الذي يتتاول سيرة سلطان العارفين الشيخ محي الدين بن عربي، ورغم صعوبة التعاطي مع عوالم الصوفية في مادة درامية من 30 حلقة في حين لا يمتلك صناعها الخبرة اللازمة لمثل هذا الخوض الصعب، ورغم التحفظات العديدة على النصين اللذين لم يرتقيا للغنى الفكري والروحي في حياة هذين المتصوفين، إلا أنه يحسب لكادر العملين هذه الشجاعة ومحاولة التصدي لهذين المشروعين الهامين اللذين نحتاج لهما في هذا الوقت لإعادة ترتيب أفكارنا وترميم أرواحنا، بعد أكثر من ثماني سنوات من الحرب التي خلطت العديد من المفاهيم الدينية وحاولت إبعاد مكونات المجتمع السوري عن بعضهم رغم دوران غالبيتهم بانتماءاتهم المتنوعة في فلك الصوفية الداعية للحب والتسامح والعطاء، والتي تكرس أهمية الارتقاء الروحي بأبهى أشكاله.
الغريب في الأمر أن العملين من إنتاج جهة خليجية واحدة ما يطرح عدة تساؤلات، خاصة إذا ما استذكرنا أن الصوفية هي العدو الأول للسلفية عبر التاريخ، وهذا ما يظهر جليا في كلا العملين، فهل من احد أسباب إنتاج هذين العملين هو تجديد التصادم مع الفكر السلفي الذي ترعاه السعودية وقطر? ولصالح من سيكون هذا الصدام إن حصل?، هي أسئلة كان لا بد لنا من طرحها، ولكن ما يهمنا من الموضوع هو حاجة الناس اليوم للفكر الصوفي المنفتح البعيد عن التقوقع المذهبي والطائفي، والذي يشكل قاسما مشتركا بين كل مكونات المجتمع السوري على وجه الخصوص إلى جانب عالميته في انتمائه للفطرة الإنسانية السليمة والصحيحة الداعية للحب بكل أشكاله، والساعي للتعاطي مع الحياة بكل تفاصيلها من هذا الجانب، ولعل وجود شخصية صوفية (شخصية زهير، الفنان غسان مسعود) في المسلسل الاجتماعي المعاصر ترجمان الأشواق (تأليف بشار عباس، إخراج محمد عبد العزيز، إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي) يفتح الباب لمزيد من الاشتغال على عالم غني بمعطياته الدرامية والفكرية والروحية لم يتم التعامل معه حتى الآن إلا بخجل، ولم يتم الاستفادة منه كما يجب مقارنة بما قدم في الدراما التلفزيونية والسينما والمسرح والأدب في مصر التي يتشابه مجتمعها مع مجتمعنا في فكره الصوفي.
بعد عشرات السنين من التوجه نحو الواقعية بكل أنواعها ودرجاتها في الفن السوري عموما من أدب ودراما (إذاعة، تلفزيون، سينما) هل يمكن أن نرى في السنوات القادمة توجها نحو عوالم الصوفية الساحرة والجاذبة لأغلب شرائح الجمهور?، أم أن هذا يتطلب وعيا أكثر من النخبة المثقفة لمعرفة العمق الفكري والروحي لتراثنا الصوفي ومدى انتمائنا له?.
لعل الأمر يستوجب من الكتاب البدء فورا بدراسة الفكر الصوفي والبحث فيه عبر رؤية معاصرة ومتحررة من أي انطباعات مسبقة، لنصل إلى طروحات جديدة في الأدب والفنون تنتج منظومات ثقافية ترتكز على الفكر الصوفي لتقديمها للإنسان السوري المعاصر وتحريضه على ممارسة الحب بكل أشكاله الفكرية والروحية السامية تجاه الحياة والناس، ولنخلق مجتمعا محبا متسامحا ومتصالحا مع ذاته ومع تراثه الصوفي الغني بعوامل قوته وخلاصه.
محمد سمير طحان