“الروح الثامنة”.. ما بعد موت ما قبل حياة
بعد تجارب لها في مجال الشعر والقصة كان لا بد من الرواية التي فتحت الأبواب أمامها على مصراعيها، فكانت روايتها الأولى بعنوان “الروح الثامنة، مابعد موت ماقبل حياة” والتي كانت عنوان الندوة التي أقامها فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب، إذ قدمت الأديبة ديمة داووي في روايتها حكاية امرأة عاشت قصصاً عديدة من العلاقات الاجتماعية مركزة على الجانب النفسي والمعنوي للشخصيات، والتأثير السلبي والمدمر للتفجيرات على الروح الإنسانية.
موت وحياة
وبدءاً من العنوان المدهش والطويل بذات الوقت بدأت الشاعرة سرية العثمان حديثها عن الرواية فقالت : ذكرتني الروح الثامنة بالانعتاق والبحث عن سماء ثامنة، نهرب إليها لتحلق أرواحنا فيها، وماذا ياترى ما بعد الموت، أهو الخلود الصافي الذي نحلم به، وماذا ياترى ما قبل حياة، أهو العدم الذي سينشطر حياة، تلك عتبة في تساؤلات للولوج إلى الرواية بالإضافة إلى صورة الغلاف التي تحمل ألف فكرة وألف حزن. لغة سلسة عذبة في سرد وجداني شيق في محكية روائية ذات تركيب نفسي يطرح ثقل آلامه الخاصة وآلام وطنه المثقل بنزف الدم، ندى الشخصية الشفيفة المثقفة والتي تعاني من مرض أصاب فرط حساسيتها المتعبة في وطن وحرب ولواعج داخلية في محبوب، وكيف أنه الرجل المسيطر السادي حتى على نصفه الآخر، وكأنها وكل كيانها صارت تحب ماسوشيتها لتكون طوع بنانه وطوع مشاعرها الصافية بعفوية روحها البريئة.
روح تنكسر كل حين، تشعر دائماً بالخذلان، ويتصاعد في الفصل السادس من الرواية وجع الوطن فيأخذ روحها ألم لا تستطيع إيقافه، وكيف وهو النازف المتطايرة أشلاء أبنائه، نسائه، أطفاله على تجاعيد الأرصفة والشوارع، إرهاصات ترهق روحها، تمزقها، توجها حد التلاشي وهي الممزقة والمتشظية والمكفنة بدمها، عزاؤها أنها ستزرع بالتراب لتنبت من جديد.
كم تعبت روح ندى وهي ترصد في روايتها الشخصيات المتعددة الوجوه والاتجاهات والتقلبات ولا يهمها الدم المسفوك، مشاعر قاتلة لروحها مختلطة بحب الوطن الذي تربت فيه على الخوف.
صورة الحرب
تميزت رواية “الروح الثامنة” بلغة جميلة، استخدمت الكاتبة صياغة لغوية متقدمة في سرد الأحداث البعيدة عن الحوارات المطولة، وبدورها قالت الأديبة آمال شلهوب: تتسم الرواية بالتجريب من حيث الأسلوب المميز كالخطف خلفاً، كما أنها وظفت أدواتها في البنية السردية من حيث التناوب بالصوت السردي، فتشارك معها الأرواح المقهورة ضمن الأمكنة الصريحة التي تنقلنا معها من اللاذقية إلى دمشق، ولدمشق الحصة الأكبر في ضجيج الأحداث ضمن زمان ابتدأ بقهر الأرواح.
استطاعت الكاتبة عبر الرواية أن ترصد صورة الحرب الواقعية وانعكاساتها على البشر والحجر، ذهبت بالتفاصيل الدقيقة لها بصورة متكررة، صورت الخيانات، التفجيرات، المجازر، الخطف، الملاجئ، كل هذا من خلال ما شهدته البطلة “ندى” الشخصية الرئيسية تلك المرأة التي تشبه الوطن المجروح، تقول: “كم أشبهك أيها الوطن.. مازلت أسير في طرق مجهولة المعالم”.
“ندى” الكاتبة والمثقفة هي المطلقة حديثاً التي أطلقت روحها المازوشية على حد تعبير الكاتبة، فاستطاعت من خلالها أن تسلط الضوء على الرجل الشرقي الدمشقي على وجه الخصوص ومن خلال فشل علاقته بالمرأة فتوضح صورته المتناقضة.
طاقة شعرية
قيل عن فن الرواية أنها نسق من العلاقات لا يتأسس في ذاته إلا من خلال التناقضات، وعن اللغة في “الروح الثامنة” قال الشاعر خليفة العموري: المادة الأساسية لخلق تناقضات الرواية هي الأفكار والإيديولوجية الجاهزة سلفاً في الواقع، وقد تأخذ طابعاً ديالوجياً عبر طرح الحوارات بين الشخصيات المتفاعلة أو تكون ذات طابع مونولوجي.
“الروح الثامنة” أخذت طابعها المونولوجي للهروب من المباشرة التي فر منها القارئ منحازاً إلى عالم الصورة والميديا، استطاعت ديمة أن تقوي من الوسائل الفنية عبر الطاقة الشعرية باللغة، والتشكيل عن مكنونات الذات وبالتالي أخذ الوظيفة الجمالية من خلال التصوير وهو ما ليس بلاغياً، الاستعارة والتشبيه والتمثيل وهذه من الحركات الهامة في لغة الشعر، وهذا ما أكسب الرواية درجة تأملية وإطالة مدتها لتكون اللغة الأدبية في حد ذاتها هي الهدف، وإن بدت في أماكن رتيبة ومكررة. ونلحظ أيضاً بأن الرواية حملت إيقاعات طابعها الشعري الذي جعلها منفصلة ومتصلة بذات الوقت مع البناء السردي.
نقد الروح الثامنة
وقدمت الزميلة نجوى صليبة قراءة نقدية للرواية متوجهة بأسئلة للكاتبة بدأتها: الرواية صادرة عام 2013 لكنها على مايبدو لم تنل حقها من القراءات النقدية أو العرض في المنابر الثقافية أو الملتقيات على الرغم من العلاقات الطيبة والكثيرة التي تربط الكاتبة بالأدباء والروائيين؟
تقول الكاتبة في الإهداء: “إليك يامن استطعت مسح مرآته وتعريت أمامها بحثاً عن نفاذة روح” كلمات نجد فيها القوة بمقدار الضعف المتسرب من بين الحروف ومثلها الكثير من الصفحات التي تفيض قوة وتفيض ضعفاً، فكثيراً ما نجد “ندى” تجتر الحزن ذاته والضعف ذاته مع كل رجل يدخل حياتها وتسلمه روحها وجسدها، اجترار الألم والأفكار يتبعه اجترار اللغة وتكرارها.
مقابل كل هذا الضعف هناك قوة في شخصية ندى وتمردها على المجتمع على الرغم من أن الكاتبة غالباً ما أرفقت حديثها بالقول “استيقظت شرقيتي” أو بما يقارب هذا المعنى، هناك تناقض في ذلك كما أن مشاهد في الرواية تدل على غير ذلك تدل على كاتبة منفتحة لا تعاني مشكلات في المجتمع؟
ورد في بعض الصفحات شرح لبعض الأفكار لم تكن الكاتبة بحاجة لها، وتغلب محاكاة الذات على الحدث، فحتى الصفحة المائة وأكثر لا يوجد حدث سوى “ندى” وبالصفحات الأخيرة تتكئ الكاتبة على الوضع الأمني والسياسي، لكن للأسف بطريقة غير مقنعة أو فيها شي من السذاجة السياسية التي دفعت الكاتبة للتسرع والخوض في هذا المجال، وهنا لا بد من التنويه أن الروائي مثله مثل الباحث عندما يريد أن يذكر فعلاً أو حدثاً سياسياً أو تاريخياً يجب أن يكون دقيقاً في المعلومة وفي الطرح.
وفي الختام توجهت صليبة بالسؤال للكاتبة: هل يرد في ذهنك طبعة جديدة وتفادي بعض السذاجة السياسية أو التسرع السياسي؟ وتجيب ديمة: لا تغيير بمعطيات الرواية إلا بجزء بسيط أو بعبارات قليلة تحكي عن رجل الأمن السيئ في تلك المرحلة، وقالت: هو حالة وحيدة وفريدة، وكان متواجداً في تلك الحادثة، وهو رجل سيء ولكن لا يمكن القول أن الجميع سيئون.
جمان بركات