وسط الهزيمة ..توحدّت أوروبا سياسياً
ترجمة: البعث
عن موقع فايننشال تايمز 27/5/2019
عادةً ما تكون الانتخابات بمثابة اختبار ينتظر الناس نتائجه ويتوقعون ما سيصدر عنه، لكن الانتخابات البرلمانية الأوروبية التي جرت في الأيام القليلة الماضية كانت نتائجها على غير العادة، فقد قدّمت الكثير من النتائج غير المتوقعة التي بنى عليها عدد كبير من الناس الكثير من الاستنتاجات والتخمينات، فهناك الذين أرادوا أن يثبتوا صحة نظريتهم بحتمية صعود اليمين المتطرف، وهناك الذين رأوا أن أوروبا ستتمكن من التصدي لليمين المتطرف وسط توقعات بتحقيقه اختراقاً في الانتخابات البرلمانية الأوروبية.
كما هو الحال في الطبيعة كذلك في السياسة لكل فعل رد فعل،لقد أصبحت الأحزاب اليمينية المتطرفة والنازية والقومية والشعبية في جميع أنحاء القارة الأوروبية تنشر لغةً معادية لأوروبا وأحيانا عنصرية وباتت أصواتهم أعلى وأكثر بروزاً وتأثيراً، وصاروا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي كأدوات جديدة لنشر نظريات المؤامرة التي تجعل الناس غاضبين وخائفين، ليستفيدوا فيما بعد من هذا الخوف والغضب، لكن هذا الصعود اللافت لهذه الأحزاب صاحبه ازدياد في ردود الأفعال العنيفة ضدهم، فالنتائج الأولية تشير إلى تقدم كبير لليبراليين والخضر حيث فقدت الكتل الكبرى في البرلمان الأوروبي من أحزاب يمين الوسط ويسار الوسط أغلبيتها وسط زيادة دعم الناخبين لليبراليين والخضر القوميين – وكذلك لاعتقادهم بأن الأحزاب التقليدية ليس باستطاعتها التعامل مع هذا التحدي الجديد وبأنها ستحتاج إلى البحث عن تحالفات جديدة، وبالتأكيد في كل انتخابات هناك الخاسر، وبحسب التوقعات فإن الخاسر هنا هو الحزب الديمقراطي المسيحي القديم من يمين الوسط وأحزاب الاشتراكيين الديمقراطيين من يسار الوسط أو على الأقل تلك الأحزاب التي فشلت في اللحاق بالمزاج السائد ولم يتمكنوا من تغيير أفكارهم ونشاطاتهم بما يتناسب مع ما تحتاجه وسائل التواصل الاجتماعي، لقد اعتاد هذان الحزبان على الهيمنة على البرلمان الأوروبي وبالتالي على مؤسسات الاتحاد الأوروبي لكن ليس بعد الآن، فالكثيرون اليوم قلقون من التشرذم الذي قد يقود في النهاية إلى عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على اتخاذ القرارات وذلك لوجود العديد من الأحزاب لكن هذه هي ماهية السياسة وحقيقتها في كل مكان وهذا هو ما يحصل الآن في البرلمان الأوروبي وفي العديد من الدول الأوروبية، لكن على كل حال يوجد هناك جانبٌ إيجابيٌ لما يحصل اليوم، فالبرلمان الأوروبي سيكون مسرحاً لممارسة السياسة بالمعنى الحقيقي، وسيكون هناك صفقات سيتم عقدها ونقاشات سيتم الخوض فيها وسيكون هناك قضايا حقيقية تستحوذ على اهتمام عموم أوروبا وتتطلب حلولاً من عموم أوروبا كقضية البيئة والهجرة ،وعلى ما يبدو أن الأوروبيين يعلمون هذه الحقيقة وهذا ما يظهر في الإقبال الكبير على المشاركة في الانتخابات التي لم تكن بمحض الصدفة فقد تضاعفت النسب المئوية لعدد المشاركين في الانتخابات في اسبانيا وبولندا وألمانيا ورومانيا والمجر وغيرها من الدول، حيث أدرك الناس أن أصواتهم مهمة بالفعل وعلى الرغم من اختلاف الآراء إلا أن القارة الأوروبية أصبحت مساحة سياسية واحدة، فاليمين المتطرف في إيطاليا يستخدم التكتيكات نفسها التي يستخدمها أقصى اليمين في فرنسا، والخضر في فرنسا يشاهدون الخضر في ألمانيا، والجميع يراقب نتائج غيره في الانتخابات ليستفيد منها في زيادة عدد نقاطه، والبريطانيون المشككون في الاتحاد الأوروبي يشاركون بسعادة تغريداتهم حول احتجاجات جيليت جونز في فرنسا، وبدورهم الفرنسيون المؤيدون للاتحاد الأوروبي يهزؤون من بريطانيا ومن خروجها من الاتحاد الأوروبي، لكن بالنتيجة لا أحد يكسب، فالسياسة تتغير بسرعة كبيرة مع وجود أحزاب جديدة ودوافع جديدة وهواجس جديدة وقد لا تستطيع المؤسسات السياسية مجاراتها ولكن في نهاية المطاف سيأتي الوقت الذي سيتوجب عليها فعل ذلك.