من وحي الإصلاح…!؟
فرص النجاح تزيد كلما استطعنا التنفيذ محلياً وفكرنا كونياً، خاصة بعد كل سنوات المخاض الاقتصادية وغير الاقتصادية القاسية نتيجة الأزمة، التي من المفترض أنها أكسبتنا كماً ونوعاً هائلاً من التجارب والخبرات غير المسبوقة، ولأنها كذلك – أي غير مسبوقة- نحن أحوج ما نكون إلى فكر اقتصادي تنويري مبدع، يَجبُّ كل تلك العقليات البالية، التي لا تزال تتعاطى الشأن الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين، بعقلية “القرون الوسطى”…! فمن شبه المسلم به، ألاَّ ينتهي الجدل الاقتصادي؛ لأن الحياة المعيشية ورفاه العامة ومستقبلهم، يعتمد على كفاءة الحالة الاقتصادية، ولكن يصعب أن يتم أي نقاش اقتصادي مفيد دون تفهم عميق للسياق وتأطير مناسب، إذ أنه ودون إجماع على حول مرجعية واحدة، فسوف يظل الجدل المباشر وغير المباشر مستمراً، دون فائدة تذكر..!
ولكي لا يستمر الجدل إلى ما لا نهاية، فلا بد من تحقيق إجماع على أولويات محددة وقليلة لسنوات عدة، حيث إن عدم الاتفاق على تحديد المرجعيات بدقة، سيبقي أغلب النقاش عبثياً، وخاصة لما يكون هناك مبالغة في توظيف حلول اقتصادية لمسائل تنموية، لاسيما أننا لا نزال نعاني ممن لا يفرق بين المرحلي والهيكلي فيما يمر به الاقتصاد الوطني حالياً..!
فعلى سبيل المثال، يصعب أن نطمح لسياسات نمو اقتصادي، دون رصد لمستوى الإنتاجية الحالي، أو تقدير عملي للقدرات الاستيعابية في الاقتصاد من ناحية مؤسساتية أو بشرية، أو نلجأ لمبالغات في الاستعارة من تجارب دول مختلفة، لا يتقاطع ما حدث عندنا، مع ما حدث عندها، سوى ببضعة جوانب..!
أحد أهداف تأطير المرجعية أن نفرق بين الأعراض والمرض وبين المسكنات والعلاج طويل الأجل، وهذا بداية لنقاش أكثر عقلانية، وبرأينا أن هناك عدة معطيات لابد من الإجماع حولها قبل التوسع في طرح وصفات علاجية، وخاصة لما تكون كثيرة؛ ما يؤدي أحياناً إلى تضارب في تأثيراتها الثانوية وما بعدها.
أول المعطيات، أننا نعيش حقبة بين مطرقة الحاجة للنمو والتقدم الاقتصادي وسندان التكيف المالي، الثانية: أن تشكيل العقلية الإنتاجية وأنماط التصرفات العقلانية مجتمعياً أهم من الماديات، الثالثة: علينا التمكن والتمكين من بعض الأشياء وترك الكثير من مجالات الأعمال والخطط، الرابعة إيجاد التوازن المناسب بين المنافسة الداخلية لرفع الكفاءة والحماية من المنافسة الخارجية الكاسحة لحين التمكين، خاصة بشرياً وصناعياً؛ الخامسة: الاعتماد على الذات معرفياً..؛ السادسة: الانفتاح على عقلية التجريب والمساءلة؛ السابعة: تفادي الانجراف نحو الأخطاء في وصفات علاجية كلية يصعب التعافي منها، مثل التخصيص وتقديم الخدمات على الصناعة قبل حل جذري للاهتمام بالتعليم العالي على حساب الفني والمهني، أو للاهتمام بالشركات الصغيرة والمتوسطة دون حديث عن جودة التعليم… معطيات أو محددات لم تأخذ ما تم من إنجازات هامة على مدى عقود، مثلما لم تستفد من فرص الارتقاء، وعليه لا يبدو أن إنجازاتنا المادية في تناسق مع التطور المؤسساتي والبشري؛ ولذلك لابد من مراجعة إذا ما أردنا الانتقال لمدارات أعلى. من هذه المحددات، نستطيع أن نستخلص عدة نواحٍ في السياسة العامة المالية والاقتصادية، الأولى: السعي نحو سياسة مالية محافظة بما يضمن استقراراً مالياً، ومحافظة على سعر صرف الليرة مقابل الدولار، من خلال إعادة تحقيق فوائض مالية ورفع مستوى الرصيد المالي بعد أن تقلص بدرجة كبيرة وسريعة، وهذا يقتضي معالجة عدد القضايا المقلقة…
أولها: إنهاء الخلل والتخبط في تحقيق التوازن الكفيل بالاستدامة ما بين الاستثمار والاستهلاك، والثانية المقلقة في المدى البعيد، حين يكون لدينا الاستعداد لصرف طاقات وأموال على الناحية البشرية ( العمالية والتعليمية ) دون تركيز يصب في نقل المعرفة والتوظيف الاقتصادي والإنتاجية، أو حتى ربط وثيق بالخطط والتوجهات الاستثمارية المعلنة، أما ثالثها فتتمثل بوجوب التركيز على الصناعات التي نستطيع السعي حثيثاً للمنافسة فيها، وعلينا اختيار عدة صناعات واعدة وليس حالة استبدالية، وكم هي حالات الاستبدال والتبديل، التي لم تستطع الإصلاح والتغيير..!؟
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com