“المسمار الأخير” تاريخ يتكلم وروح تتألم
لأن المسرح لا يشيخ بل يزداد ألقاً وحضوراً مع مرور الزمن والأحداث، نراه اليوم وكما العادة، يحمل على ظهر قلبه وجعاً جديداً وحواراً مسرحياً من نوع خاص. ولأن المسرح اختزال وتكثيف للزمان والمكان والحدث، وُفِق إلى حد كبير مخرج مسرحية “المسمار الأخير” الفنان لؤي شانا في تكثيف متقن وأداء مسرحي عالي الجودة، من خلال استحضار ثلاث شخصيات تاريخية هم تعريف الخيانة على مر العصور، فالخيانة والغدر أفعال لا تموت ذكراها السيئة مهما طال الزمان وغطاها غبار الأحداث، هي وصمة عار لفاعلها ما بقيت الحياة، ولم يكن استحضار تلك الشخصيات من قبل مخرج العمل ومؤلفته، نوعاً من استعراض لسير شخصية، وإنما جاءت كإسقاط على واقع حاضر بيننا، تفوح منه رائحة خيانة كريهة، ساهمت بشكل فاعل وفعّال بما آلت إليه الأحوال في سنواتنا الثمانية سيئة الذكر، فبروتس الذي أنكر معلمه، ويهوذا الذي وشى به، وبطرس الذي طعن صديقه بدم بارد ولم يرف له جفن، تلك الشخصيات التي أسند المخرج أداءها للفنانين نبيل مريش- خليل غصن- وديع ضاهر، على خشبة المسرح بروح جديدة باحثين عن الخلود كي تبقى الخطيئة ناقوساً يجلجل العقول والقلوب، حيث نراهم وجها لوجه أمام مخرج يقوم بالتحضير لعمل مسرحي مع مجموعة شباب مسرحيين وهو الفنان فايز صبوح وبلعبة إخراجية مميزة نجدهم قد أصبحوا جزءاً من العرض المسرحي يتوسلون للمخرج بأن يعيد تجسيد شخصياتهم على تلك الخشبة، ليعترفوا بأخطائهم نادمين بعد كل هذا الزمن الذي أكل وشرب على قصصهم على ما اقترفوه من خيانة، وهنا يأتي السؤال الكبير الذي أراد المخرج لؤي شانا طرحه، هل بقي بجسد هذا البلد الأمين مكان لدق مسمار آخر؟ هل سيتعافى هذا الجسد الطاهر ويعود لقيامة جديدة..؟
وتكون الخاتمة بمشهد راقص يستعرض لحظة شنق يهوذا لنفسه، كنهاية لكل من تسول له نفسه العبث بأمان واستقرار وطنه.
ميز العرض كما ذكر المخرج وجود ثلاثة أجيال مسرحية، ولم يكن بالأمر السهل التعامل مع عدّة مستويات بآن واحد على خشبة واحدة، حيث تم العمل بشكل فسيفسائي لتكتمل بالنهاية الصورة ككل بمشهد مسرحي بصري تناغم فيه الديكور مع الإضاءة مع الموسيقى.
المسمار الأخير عرض ممتع يستحق المشاهدة، تأليف: كلاديس مطر- إخراج: لؤي جميل شانا- مخرج مساعد: غادة إسماعيل- تمثيل: وديع ضاهر- نبيل مريش- فايز صبوح- خليل غصن- محمد أبو طه- مصطفى جانودي- عصام تفاحة- قاسم عبد الحق- أليسار صقور- لمى غريب.
لينا أحمد نبيعة