السعودية تمهد لصفقة القرن
ريا خوري
المراقب بدقة لمجريات الأحداث في منطقتنا العربية وبخاصة في الخليج العربي لجهة الدعوة لعقد ثلاث قمم في السعودية لحشد الدعم وتوحيد القوى والموقف في مواجهة (التهديدات الإيرانية)، يدرك تماماً أنه يخشى فعلياً من أن يكون انعقاد هذه القمّة هو مقدّمة لقبول عربي واسع بما تفرضه (صفقة القرن ) من شروط بهدف المزيد من التنازلات، وقَضْم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. وهنا يأتي السؤال الهام : هل سيقبل العرب بـ ( صفقة القرن ) وما تفرضه من شروط قاسية تهدف إلى مزيد من التنازلات السرية والعلنية الخاصة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بخاصة القرارين ٢٤٢ و٣٨٣ القاضيين بالاعتراف بدولة فلسطينية في الضفة الغربية، وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية مقابل دولة
“إسرائيل” . وقرار ١٩٤ القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأملاكهم التي هجروا منها في العام ١٩٤٨، وإزالة المستوطنات الصهيونية من الضفة الغربية.
الواضح تماماً أن فصول ما يسمى بـ ( صفقة القرن ) التي تؤكد الإدارة الأميركية أنها “خطة للسلام” بين (الإسرائيليين) والفلسطينيين، والتي كان آخر فصولها الإعلان عن المؤتمر الاقتصادي الذي سيُعقد في البحرين يومي 25 و26 حزيران ، لدعوة الشركات ورجال الأعمال للاستثمار في الأراضي الفلسطينية، تحت عنوان (السلام من أجل الازدهار)، وقد تمّت دعوة الكيان الصهيوني إلى هذا المؤتمر، الذي من المتوقّع أن يردّ بشكل إيجابي ويشارك في المؤتمر، بحسب العديد من المسؤولين الصهاينة .
حيث سيتجمع في البحرين عدد من وزراء المالية بمجموعة من الاقتصاديين البارزين في المنطقة، يشارك فيها وزير الاقتصاد الإسرائيلي موشيه كحلون على رأس وفد (إسرائيلي) لإعلان الخطة وترتيبات تحقيقها.
في الحقيقة، ومن منطق عقلاني وواقعي لا يمكن فصل التطوّرات الساخنة في المنطقة عن توجّه الإدارة الأميركية، لفرض رؤيتها ( للسلام ) في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك من خلال السيطرة على مزيد من الأرض الفلسطينية وتقديمها للكيان الصهيوني مقابل تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين القاطنين في قطاع غزّة ، والاعتراف بالقدس عاصمة (لإسرائيل)، وبالسيادة( الإسرائيلية) على الضفة الغربية… وتوسيع المستوطنات على حساب الأرض الفلسطينية وعليه، لا نستبعد أن تكون الأزمات المُتتالية هي جزء من التحضير لطرح صفقة القرن، بشكل مباشر، حيث نلحظ النقاط التالية الهامة :
-حجم الضغوط غير المسبوقة على جمهورية إيران الإسلامية ، والتي تستهدف إخضاع القيادة الإيرانية من خلال تجويع الشعب الإيراني، والضغط على إيراني لتغيير سلوكها حسب ما أورده العديد من المسؤولين الأمريكان .وكخطوة من محاولة تغيير السلوك المنشود أميركياً، على الشعب الإيراني وقيادته أن يكفّوا عن دعم المقاومة الفلسطينية ، أو يضغطوا على حركة حماس والجهاد الإسلامي للقبول بـ (صفقة القرن) الأميركية الإسرائيلية. من هنا تعتقد الإدارة الأمريكية أن الضغوط على إيران قد تؤدّي في النهاية بأن تقوم إيران بالتخلّي عن معظم أوراق القوّة التي تمتلكها، وإذا كان من المستحيل على إيران التخلّي عن البرنامج الصاروخي، أو التخلّي عن دعم حزب الله في لبنان أو الحشد الشعبي في العراق، فإنه من الممكن – بحسب الرؤية الأميركية – أن تتخلّى إيران عن بعض أوراق القوّة التي اكتسبتها وتملك بعضاً منها، أي في الملف الفلسطيني وهو ملف هام وقوي ويخص جميع الأطراف .الجدير بالذكر أن القمم الثلاث التي دعت إليهما السعودية، قد تكون مطلوباً من الإدارة الأمريكية، لتتمكن السعودية من تمرير رسائل وتهديدات مباشرة وغير مباشرة ، وفرض نفوذهم على الدول المشاركة للقبول بتلك الصفقة من دون اعتراض أو تردد .يزيد على ذلك حجم الضغوط الاقتصادية الهائلة التي تعانيها الحكومة اللبنانية، وما تتداوله وسائل الإعلام والشائعات المُبرمَجة التي تحاول النيل من ثقة الشعب والحكومة اللبنانية والخارج من الاقتصاد اللبناني. والخوف من أن يكون إفلاس لبنان وإفقاره، والضغوط الاقتصادية التي تُمارَس عليه، مُقدّمة لمُقايضة تقوم على فكرة (توطين) اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والذي بات عددهم ينوف على مليون لاجئ ، وعدم عودتهم إلى وطنهم الأمّ فلسطين بموجب قرار حق العودة الذي أصدرته الأمم المتحدة وحمل الرقم ١٩٤ ، مقابل مساعدات اقتصادية تحصل عليها الحكومة اللبنانية وتساهم في التخفيف من العجز المالي والاقتصادي.
وهكذا، وحتى هذا اليوم، يبدو أن كل ما رشح أو تسرّب من معلومات عن صفقة القرن، يؤكّد أنها ستأتي لتصفية القضية الفلسطينية برمّتها، وتقضي على حق العودة، والأخطر من هذا وذاك أن بعض الدول العربية باتت تُجاهِر علناً ودون مواربة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني ، وباتت تدفع العديد من الدول من دون خجل للسير في مسار القضاء على الحقوق الوطنية الفلسطينية… لكن، بكل تأكيد، لن يرضخ الشعب اللبناني وحكومته للضغوط التي يتعرض لها ، ولن يسمح رئيس الجمهورية ومعه المقاومة اللبنانية بتمرير أجزاء من صفقة القرن على حساب لبنان وشعبه ، وهنا علينا أن نؤكد بأن المصالحة الفلسطينية وتوحيد الموقف يساهم مساهمة فعّالة في مواجهة أخطر مرحلة في تاريخ فلسطين الحديث وإفشال خطة مشروع صفقة القرن .