الموهبة وشغف الفن
سلوى عباس
حسب رؤية ماركيز للموهبة أنها لا تثمر دون تدعيمها بالاجتهاد والتجارب الحياتية حتى تتحول إلى إبداع، وهذا ينطبق على أي عمل إبداعي في أي مجال، وإذا توقفنا عند التطور الذي حققته الدراما السورية نرى أن الممثلين يمثلون ركناً أساسياً في هذا التطور، وكم من ممثلينا يتمتعون بالموهبة التي كانت البذرة التي انطلقوا من خلالها، لكنهم لم يكتفوا بها بل دعموها بالدراسة التخصصية، وصقلوها بالمعرفة والاجتهاد، وأغنوها بثقافتهم وبتجاربهم التي منحتهم القدرة على الإبداع والتجديد، فالفنان يستقي ثقافته من مصادر المعرفة كافة إذ تساعده على دراسة شخصياته وتحليلها بدقة، وإدراك تفاصيلها من جوانبها النفسية والاجتماعية، فثقافة الفنان تبدأ مع أولى خطواته الحياتية ثم الفنية، وهناك الكثير من فنانينا ثقافتهم تثير الاهتمام، وبالمقابل هناك فنانون يفتقدون للغنى المعرفي والثقافي الذي يدعم حضورهم الفني ويكتفون بقراءة الشخصية حسب كتابتها في السيناريو وهذا ما يظهر من خلال الحوارات التي تجرى معهم، فكم يفاجئنا فناناً أو فنانة يأخذون من الفن مهنة يتقنونها ويحققون حضوراً لافتاً في ميدانها، لكنهم من حيث الغنى المعرفي والثقافي يظهرون ضحالة ونراهم يعتمدون على الجمال و”الكاريزما” التي تقدمهم للجمهور وهذا لا يكفي، فكلما تمتع الفنان أو الفنانة بثقافة عالية كلما كان حضورهم أقوى لدى جمهورهم وفي فنهم الذي هو هويتهم التي من خلالها يقدمون هذا الفن الراقي الذي يعكس صورة حضارية تكون عنواناً لهم ولبلدهم.
وفي الموسم الدرامي لهذا العام، كما في مواسم ماضية حظي الفنانون الشباب من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية بفرص عمل نوعية لوجوه شابة في أعمال درامية أظهرت مقدراتهم الفنية، وهذا ما ظهر واضحاً في أعمال الموسم الرمضاني الحالي، حيث هناك أكثر من ممثل وممثلة حققوا بصمة، وعلامة فارقة في الشخصيات التي جسدوها في هذه الأعمال بمختلف أنواعها “كوميديا، بيئة، اجتماعي….”، بغض النظر عن مساحة الدور الذي يؤدونه، ومن الصعب في هذه الفسحة القصيرة أن نفي هذه الشخصيات حقها، فالجميع أثبتوا تكاملية الدور بين الفنانين المخضرمين والجيل الشاب، الذي عبّر عن شغفه بالفن بشكل عام وليس في الدراما التلفزيونية فقط، التي تتيح لهم فرص عمل أكثر يستطيعون من خلالها تأمين حياتهم المعيشية، حيث العائد المادي أفضل مما يُعطى في باقي الفنون. وقد أثبت هؤلاء الفنانين حضورهم إلى جانب أصحاب التاريخ الفني الطويل، فإذا توقفنا عند الأدوار التي جسدتها الفنانة هيا مرعشلي نراها قد حققت بصمتها وتمكنت من امتلاك أدواتها، وكذلك الفنانون إيهاب شعبان الذي أدى دوراً في “مسافة أمان” سيجعله حاضراً في ذاكرة المشاهد، وكذلك الفنانة “لين غرة” في المسلسل ذاته و”أنس طيارة الذي لفت الأنظار بأدائه لمواسم درامية عديدة، وهناك أسماء عديدة من الشباب أغنت الأعمال الدرامية بشغفها وحبها للفن، وهذا تأكيد على الفائدة التي حصلوا عليها هؤلاء الشباب من خبرة الكبار وتجربتهم، مما أتاح لهم أن يثبتوا موهبتهم ويمتلكوا أدواتهم الفنية التي لا تقل عن موهبة الفنانين الكبار، كما رفدوا درامانا بدماء جديدة تبقيها متجددة، وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على مصداقيتهم وإيمانهم برسالة الدراما، فالدراما مستمرة بروادها ومؤسسيها والغيورين على مكانتها العالية.