لاءات… وإملاءات!!
في مطار الملك عبد العزيز في جدة، أقام النظام السعودي معرضاً في الصالة الملكية يحتوي على حطام الصواريخ والطائرات المسيّرة التي استهدفت المملكة خلال سنوات الحرب على اليمن، وذلك لإطلاع الوفود المشاركة في قمم مكة الثلاث، العربية والإسلامية والخليجية، على الحال الذي وصل إليه من الاستهداف، ذلك أن النظام السعودي يريد أن يصوّر نفسه بأنه ضحية المقاومة الشعبية اليمنية، ويواجه خطر عدو يعمل على إيهام العالم به يتمثّل بإيران، ولهذا على من يعتبر نفسه صديقاً للمملكة أن ينضوي تحت عباءة سلمان وولي عهده وتبني خطابهما، فمن وجهة نظر سعودية أن الخطر تمثّله الجمهورية الإسلامية، ولا مجال في هذه المرحلة لمناقشة أي قضايا أخرى، كالقضية الفلسطينية مثلاً، والتي من المفترض أن النظام السعودي الخادم الأول لها والمدافع عن مقدساتها.
بالتأكيد أن القمم الثلاث لن تخرج بقرارات وتوصيات تغيّر قواعد اللعبة أو تجعل الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترتعد فرائصها، أو ترسي مفاهيم جديدة في استراتيجية المنطقة، فهي بالأحرى خطوة إضافية بعد التطبيع من فوق ومن تحت الطاولة للأنظمة الخليجية مع كيان الاحتلال باتجاه حرف بوصلة الصراع من عربي- إسرائيلي، إلى عربي- عربي، وعربي- إسلامي، ما يعني أنها خطوة تمهيدية لما يحضّر في قادم الأيام لتمرير صفقة القرن، التي تعد ثمناً لوصول محمد بن سلمان إلى الكرسي الملكي وتوطيد أركان حكمه، وهذا ما يتطلب اختلاق بؤر توتر تحرف الأنظار عن العدو الحقيقي المتمثّل بالكيان الصهيوني، والعمل على دمجه في الشرق الأوسط الجديد، وجعله القوة النووية الوحيدة، عبر الضغط على إيران من خلال الحصار والعقوبات، وذلك في سياق المحاولات اليائسة للتفاوض معها على اتفاق جديد ينهي تعاظم قوتها.
يدرك النظام السعودي أن المشاركين في قممه لن يحرّكوا جيوشهم لمواجهة إيران، ولن يتخذوا موقفاً يتجاوز حد التنديد والشجب، وفي أحسن الأحوال، ولا يعدو قبول معظمهم للدعوة أكثر من رحلة لأداء العمرة، ومن ثم تناول طعام الإفطار والغط في نوم عميق إلى حين تلاوة البيان الختامي، الذي لن يساوي بأي حال ثمن الحبر الذي كتب فيه، الأمر الذي يبيّن مدى المأزق الذي وضع النظام السعودي نفسه فيه جراء ممارساته العدوانية بحق الشعب العربي في سورية واليمن والعراق، كما يعكس الشعور بالخوف من قادمات الأيام في ضوء التآمر على دول الجوار، وتقديم كل ما يلزم لتمرير المخططات الصهيوأمريكية، والتي لن تجلب له سوى الغرق أكثر في وحل الحروب العبثية، واستنزاف الثروات في سباق تسلح جديد، والتنازل التدريجي عن الحقوق العربية المغتصبة، والتي ليس من حقه المساس فيها.
ما بين عامي 1967 ويومنا هذا، يبدو واضحاً حال التردي الذي وصلت إليه الأمة، فمن لاءات الخرطوم الثلاث: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع الكيان الصهيوني، والتي أسست لرفعة الأمة وعزتها بانتصارات تشرين وإرساء قواعد اشتباك جديدة، إلى لاءات قمم مكة الثلاث، التي تؤسس للخنوع والانبطاح أكثر للغرب و”إسرائيل” على حساب حقوق شعبنا، فوفقاً لما تمّ التمهيد إليه بأن لاءات قمم مكة والتي ستكون على شكل إملاءات أمريكية- إسرائيلية: لا وقف للحرب على اليمن، ولا للتهدئة مع إيران، ولا لحقوق الفلسطينيين في الداخل وفي الشتات، وكل ذلك بفضل أموال البترودولار والانقياد الأعمى لإدارة ترامب، التي باتت خاضعة كلياً للوبي الصهيوني.
في ظل الواقع المزري الذي تمر به الأمة تبقى سورية ومعها محور المقاومة والشرفاء من العرب معقد الأمل في التأسيس لفجر عربي جديد، ولا نرى ذلك اليوم ببعيد.
عماد سالم