“بوح القوافي”.. قصائد وجع الروح
أن نكون بكامل عطرنا، وبكل توقنا للصدق والجمال، وهما يعقدان قرانا بينهما هو الأبهى والأوفى. وهنا لا أخفي مشاعري وابتهاجي بما وجدته من جديد في هذه المجموعة الشعرية الم”بوح القوافي”.. قصائد وجع الروح
قبل أن أعبر إلى عالم الشاعرة ازدهار نمر رسلان ومن هي على لسان قوافيها، وأي إضافة يحققها هذا البوح، لابد من الوقوف في حضرة القصيدة، والإصغاء بما نقوى عليه أمام هذا (البوح العابق والباذخ للقوافي)، وما علينا إلا أن نحرص على تميزة، والتي سرني كثيرا أن الشاعرة أذنت لي بتقديمها، والجديد ليس في المضمون وحده، ولا في الشكل وحده، بل في هذه الوحدة التكاملية وما بينهما من تناغم وتناسق وانسجام، ليؤديا معا ما رمت إليه القصيدة، وقد صارت بين يدي هذه المبدعة الثكلى كأحلى ما تكون الأناشيد في ميادين الفرح والحزن والرثاء والبوح والانتصار للوطن في معاركه.
أكثر ما لفت نظري واستوقفني هذه العودة المظفرة لقصيدة العمود وهي تحمل ما يؤكد أن الشعر سيظل ديوان العرب، لأننا وبعيدا عن أي مبالغة أمام ثلاثية الحب والحرب والموت، وقد أنشب كل منهما أظفاره في روح الشاعرة، لكنها كوطنها عصية، وكأمتها كبيرة، وككل السوريات المبدعات ظلت أمينة على رسالة المحبة والعطاء.
الحب هو المنتصر الحقيقي وقد أعطته ازدهار ما يستحق في كل مفردة وفي كل تركيب والشواهد كثيرة، وهي لولاه لما صالت ولما جالت من أجل أن تفضح الحرب، وتتوجع وتصبر وتتحمل الموت يقتحم عليها أسوارها فيختطف سيد قلعتها، ثم لا يتوانى عن أن يكوي قلبها بأغلى ما عندها، فتصرخ وبكل ما تملك من أنفة ثلاثة أبيات من قصيدة شهيد الأوطان، ومن أقدر من الأم على تصوير الألم وهي التي شهدت وذاقت وعلمت معناه ومبناه منذ الشهقة الأولى، لكنها حين ذاك كان الأمل معقودا على المولود الذي تحملت ألام المخاض من أجله، أما وجع الرحيل فأي وجع مثله؟
بودي لو نثرت أمام القارئ الكريم كل حروف هذا البوح والذي جاء عابسا وجادا متجهما كما عادة الشعراء في البوادي والقفار، وربما صار عبوسا مقطب الجبين حين يتناول الذين ظلموا الشام وتمادوا في غدرهم وأوغلت أيديهم بدمائنا فلم تهادنهم، وأعطتهم أقل ما يستحقون وتستحق أفعالهم، أما حين البوح للحب والوداد فإنها الوجه الأجمل للكلمة فأنت أمام أناشيد، بل أنت أمام أوتار تدندن لحنا تتراقص له الخلايا والبرايا.
قدمت ازدهار رسلان في بوح قوافيها شاهدا من أروع الشواهد على دور الكلمة في الحب والحرب، ومن أجواء ازدهار الشعرية هذا المقتطف:
يا من أُناديك والغصات تقتلني
نبكي ونبحث عنْ حُـبٍ قتلناه
كُنّا نروم مِـن العينين مقربة
ومِـنْ لذِيْـذ رُضـابِ الثّـغـر أشْـــهاهُ
ونـختفي خلف غيماتٍ تظللنا
وكُلّــما صادنا واشٍ صــددنـاهُ
ونستعيْــذُ إذا هـاجــتْ مـشاعِــرُنا
باللّـهِ مِـنْ كُـلِّ ذِي إفْــكٍ عــرفْـناهُ
لا تغرني بوصالٍ كنت أرقبه
واغفر لقلبي إذا زادت خطاياه
ما كل أحلامنا تغدو محققةً
وليس كلُّ الذي رمناهُ نلناهُ
رياض طبرة