دراساتصحيفة البعث

مجزرة الطنطورة .. كما رواها الشهود

المستشار رشيد موعد

قاضي محكمة الجنايات سابقاً

ليلة الثاني والعشرين من شهر أيار 1948 انقض أفراد الكتيبة الثالثة من لواء “الكسندراني” التابع لعصابات الهاغانا الصهيونية بقيادة “دان أبنشتاين” على قرية الطنطورة الفلسطينية الساحلية بهدف احتلالها وطرد سكانها . وقد تمكن المهاجمون من احتلال القرية بعد مقاومة عنيفة دامت حتى اليوم التالي، وبعد وقوعها في أيديهم ارتكبوا فيها مجزرة بشعة بالمواطنين العزل لا تقل عن همجية المجزرة التي اقترفتها العصابات الصهيونية بتاريخ 9/4/1948 في دير ياسين.

تقع بلدة الطنطورة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط إلى الجنوب من حيفا على بعد 24كم . كانت هذه القرية تقوم على أنقاض مدينة “دور” الكنعانية وظلت عامرة بشكل أو بآخر على مدى العصور، الأمر الذي تشهد عليه الآثار الباقية في موقعها  ومحيطه، إلى أن احتلتها العصابات الصهيونية وطردت من تبقى من سكانها بعد تلك المجزرة ودمرت بيوتها .

كانت الطنطورة من أواخر القرى العربية التي بقيت في شريط السهل الساحلي . وبعد احتلالها عَمَدَت عصابات الهاغانا لإرغام من بقي حياً من سكانها إلى قرية الفريديس المجاورة وقد أنشئ على أراضيها مستوطنة كيبوتس تسمى “نحشوليم” حيث استوطنها قادمون جدد من الولايات المتحدة وبولندا .

بدأت أحداث المجزرة عندما احتلت عصابات الهاغانا تلك القرية ، حيث قاموا باعتقال عدد كبير جداً من أهلها، وتم عزل الشيوخ والنساء والأطفال إلى جهةٍ ، والرجال والشباب إلى جهة أخرى ، وطلبوا من الشباب والرجال حفر قبورهم بأيديهم، وقامت العصابات الصهيونية باستجواب الشباب فيما إذا كان لديهم أسلحة ، ومهما كانت الإجابة سلباً أم إيجاباً ، كان أفراد عصابات الهاغانا يطلقون النار عليهم من أسلحتهم الخفيفة ويستهدفون رؤوس الشباب بالذات لتكون الإصابة قاتلة ، وكانوا بعد ذلك يشيرون لزملائهم الأحياء للقيام بدفنهم فوراً وكذلك تم قتل معظم النساء والأطفال بالطريقة ذاتها .

لقد اعترف الجنود الصهاينة بحقيقة ما حدث وبدؤوا يفتخرون بما فعلوا ، كان عدد الشهداء الذين تم إعدامهم بدم بارد حوالى 300 شهيد .. معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ كبار السن .

مجزرة الطنطورة، القرية الساحلية الوادعة، وقعت بعد 45 يوماً من مجزرة دير ياسين التي كانت في 9/4/1948، وجاءت لتحقيق الهدف الصهيوني لإرهاب المدنيين وتهجيرهم من قراهم تكريساً لسياسة المجازر الجماعية لبث الرعب تطبيقاً لنهج الإبادة الجماعية.

في بحثه الدقيق والمفصل الذي استند إلى الوثائق المكتوبة والروايات الشفهية لشهود عيان عرب ويهود تناولها جميعاً بالتمحيص والنقد. تقدم في عام 2000 الباحث الصهيوني “تيودور كاتيس” بأطروحة لنيل شهادة الماجستير من جامعة حيفا في القانون يؤكد وقوع المجزرة التي راح ضحيتها أناس مدنيين أبرياء.

إن فكرة تهجير العرب الفلسطينيين متأصلة في العمل الصهيوني تستند إلى فكرة إقامة دولة يهودية على أرض خالية من سكانها الأصليين . وقد طرحت هذه الأفكار بأشكال مختلفة وراحت تتبلور حول أسلوب العنف المسلح ، وبالتالي التهجير القسري وبالقوة العسكرية. وتكرس هذا الأسلوب في ذهن العصابات الصهيونية بعد مشروع قرار التقسيم الذي قدمته “لجنة بيل” عام 1947 ، وإلى جانب طرح فكرة إقامة دولة يهودية وفق ذلك المشروع .. طرحت أيضاً فكرة ترحيل السكان العرب من المنطقة المخصصة لتلك الدولة وبالقوة إذ لزم الأمر.

يقول الكاتب والمحلل الصهيوني “بني موريس” في كتابه سيرة “دافيد بن غوريون” الذي أكد بوجود قرار مركزي باحتلال الطنطورة وطرد سكانها ، إلا أنها رفضت في السابق شروط عصابة الهاغانا للاستسلام واختارت القتال ،  ويتابع “بني موريس” قوله : من الواضح أن قادة “لواء الكسندراني” أرادوا القرية خالية من سكانها لكن “كاتس” إسوة بسابقه “بني موريس” وإن كان أكثر جرأة منه ، يذهب بعيداً في نقده إلى حد وضع الأمور في نصابها، وبالتالي إدراج واقعة الطنطورة في سياقها التاريخي أي في الإطار العام لحرب 1948 التي هي عملية التهويد الكبرى في تاريخ العمل الصهيوني.

أما أستاذ الفلسفة الليبرالي في جامعة تل أبيب “آساكشير” مؤلف كتاب “مجموعة القواعد الأخلاقية للجيش الإسرائيلي” حيث قال : لقد نفذت في الطنطورة جريمة حرب، والقتلة الذين عرفوا كيف يصونون حياة الأولاد بدون استثناء، وحياة النساء بدون استثناء قتلوا عشرات كثيرة من الرجال ، ومن الواجب إدخال هذا الفصل في مصطلحات التعامل بالسلاح وفي الأوامر غير الشرعية قطعاً .

ودعا “أساكشير” إلى إقامة نصب تذكاري على أرض المقبرة الجماعية التي دفن فيها أهالي الطنطورة يكتب عليها “احترام ومعذرة” ينبغي أن نعرف أن عدد الصهاينة المهاجمين للقرية كان يتراوح بين 1200-1400 عنصراً أما عدد المدافعين عنها فكان حوالى 80 مقاوماً فقط .

التحقيق الذي قام به الصهيوني “تيودور كاتس” لنيل أطروحته الجامعية حول مجزرة الطنطورة، حَمَلَ عدداً كبيراً من الوقائع التي تدحض تماماً الرواية الرسمية الإسرائيلية وما تبعها من قتل وحشي بشع للمدنيين العزل وهو في تحليله لما ورد في البيانات الرسمية الصهيونية التي صدرت في حينه ، إضافة إلى تسجيل عدد من التحقيقات مع شهود عيان من الجانبين أبناء الطنطورة ومنهم محمد إبراهيم أبو عمرو الذي قال في شهادته : حينما حملونا في سيارات شاحنة كانت جثث القتلى الشهداء تحت أنظارنا مكدّسة فوق بعضها مثل أشجار مقطعة، وكذلك ما قاله الشاهد الثاني سليم زيدان الصرفندي .. حينما داهم الصهاينة بيتنا جمعونا فيه وأطلقوا رصاصاً غزيراً داخل الغرف بعدها اقتادوا من بقي حياً إلى شاطئ البحر.

وكذلك ما أكده كل من شهود العيان عز الدين المصري وآمنة المصري ويحيى أبو ماضي وفريد سلام ومحمد المعموري على وقائع المجزرة ، وهم مازالوا أحياء يُرزقون. كما أن شهادات الصهاينة الذين شاركوا في هذه المجزرة أكدوا وقوعها بوحشية وهم .. “منحا فيتكوف وشلو آمبير وآشير برايطيبر وطوفيا ليشنسكي ”

في كتابه “الدولة اليهودية” يقول الإرهابي الأول “تيدور هرتزل” لم يضع يهوه – حسب التوراة – حدوداً معروفة له ليجعل أتباعه يعترفون بها، بل جعل حدود الأرض كلها حدوده ، لأنها يعتبرونها كلها ملكاً لهم حسب الميثاق الذي عقده “يهوه” معهم فيقول : “كل مكان تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم”

وهذا ما أكده “مناحيم بيغين” حين قال : “حدود إسرائيل حينما تصل قدم الجندي الإسرائيلي” كما جاء في التوراة واصفاً اليهود “شعب لا ينام حتى يأكل فريسته ويشرب دم قتلاه” ويؤكد التلمود هذه التشريعات حيث يقول :”محرمٌ عليك أن تأخذك الشفقة على غير اليهودي ، وعندما تراه قد تدهور في نهر أو زلت قدماه فكاد يموت أجهز عليه ولا تخلصه” سفر العدد 31/1

هذه المعلومات عن مجزرة الطنطورة وغيرها من المجازر جاءت لتعريف العالم بطبيعة هذا الكيان المجبول على الإرهاب والإجرام منذ الأزل .

وتعتبر -أيضاً- وثيقة من الوثائق المعتمدة في الأدلة القانونية تضاف لجرائم العدو الصهيوني لدى المحافل الدولية، مثلها مثل مجزرة دير ياسين لقوة الإثبات فيها والأدلة ، كما رواها الشهود