الدراما السورية.. هل هي سورية حقاً؟
رغم كثافة الإنتاج الدرامي لهذا الموسم بمختلف أنماط الدراما من اجتماعي وكوميدي وتاريخي إلا أن نسب المشاهدة التي تظهرها وسائل التواصل الاجتماعي أو استطلاعات الرأي في الصحافة الورقية أو عبر القنوات التلفزيونية والمواقع الالكترونية تثبت أن أغلب الأعمال الدرامية الأكثر متابعة من قبل الجمهور العربي عموماً والسوري على وجه الخصوص هي تلك الأعمال المنتجة بمال غير سوري، والتي تنتمي بشكل من الأشكال للأعمال المشتركة (على تنوع أنماطها) المعتمدة في عمودها الفقري على الكوادر السورية سواء في النصوص أو التمثيل أو الإخراج أو جميعها معاً، وهذا يعطي الكثير من المؤشرات التي تثبت هشاشة وضع الدراما السورية حاليا، ويعيد طرح حقيقة قديمة لم تتغير وهي أن ازدهار الدراما السورية في فترة ما قبل الحرب جاءت نتيجة أمرين أولهما استثمار أموال عربية ضخمة في هذه الصناعة وأغلبها كانت من جهات وشركات خليجية من خلال تكليف إحدى شركات الإنتاج المحلية لتكون كمنتج منفذ لهذه الأعمال، وثانيها تلهف القنوات الفضائية العربية على شراء هذه الأعمال في ذاك الوقت، وما الانتكاسة التي عانت منها الدراما السورية خلال سنوات الحرب إلا نتيجة انسحاب رؤوس الأموال العربية المستثمرة فيها لأسباب سياسية، ومقاطعة أغلب القنوات التلفزيونية العربية للأعمال الدرامية السورية المحلية لذات الأسباب، مما تسبب بهجرة عدد كبير من الكوادر الفنية من ممثلين وفنيين وكتاب ومخرجين للعمل والتكسب في درامات عربية أخرى والمساهمة في تفوقها على حساب الدراما السورية المحلية.
اليوم وبعد عودة بعض رؤوس الأموال العربية للاستثمار المباشر في الدراما السورية نحن أمام حقيقة جلية تفيد بأن هذه الدراما في أغلب أعمالها الناجحة حتى اليوم هي ليست سورية إذا ما اعتمدنا مقولة “العمل ينتمي للجهة المنتجة”، وهذا يكسر مقولة حاولنا تكريسها طيلة السنوات العشرين الأخيرة عبر تكرار مفهوم “الصناعة” في الدراما السورية، فلا صناعة قوية بدون رأس مال ضخم يستثمر فيها، ولا صناعة متينة بدون بيئة تشريعية قانونية تساهم في توطين هذه الصناعة عبر ضمان الحقوق وتحديد الواجبات، ولا صناعة طموحة بدون جهة معنية تخطط وترسم استراتيجيات قصيرة وطويلة المدى لضمان استمرار النجاح لهذه الصناعة، فبعد سنوات من التغني بانجازات الدراما السورية وبوجود أكثر من 200 شركة إنتاج فنية سورية لا بد من الاعتراف بأن هذه الدراما بنت أمجادها على مال وسوق غير سوريين رغم أنها تمتلك كل مقومات النجاح من كوادر بشرية.
ما ينقص الدراما السورية اليوم لتتحول إلى صناعة راسخة وقوية وطموحة هو وجود بنى تحتية وقانونية واستثمارية وتسويقية سورية متكاملة، هذه الخطوات التي يجب أن لا يطول إنجازها تتطلب رؤية متكاملة تتحد فيها جهود القطاعين العام والخاص من مؤسسات وأفراد معنيين بالشأن الفني والاقتصادي وربما السياسي كي لا يصعب علينا فيما بعد اللحاق بدرامات جيراننا الذين استفادوا من ضعفنا وبنوا أمجادهم بأموالهم وقنواتهم التلفزيونية على حساب تقصيرنا وبأيدي فنانينا وفنيينا وكتابنا ومخرجينا، فهل نرى في المدى المنظور توجهاً نحو توطين الصناعة الدرامية السورية وحصد خيراتها محليا أم أن الوقت لم يحن بعد لهذا التحول المنتظر؟.
محمد سمير طحان