توتر العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية
إعداد: لمى عجاج
لقد ازدادت مؤخراً حدّة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بشأن التعزيز العسكري المكثف لبكين في بحر الصين الجنوبي، والذي يثير الكثير من المخاوف من تأجيج نار الصراع الدائر بين هاتين القوتين مما استدعى إلى دعوات عاجلة لإجراء محادثات أمنية جديدة لتجنب حربٍ معلنة بين الدولتين.
إن مصدر هذا القلق ينبع من تعنّت القيادة الأمريكية وتمسكها بمواقفها المتشددة تجاه الصين، وانعدام الحوار الرسمي بين أكبر قوتين عسكريتين في العالم. حيث صعّدت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها دورياتها البحرية والجوية عبر البحر وألغت مناورات مشتركة كانت مقررة فيما بينها، في الوقت الذي بدأت فيه الصين دراسة فكرة إنشاء “منطقة لتحديد هوية الدفاع الجوي” لمطالبة جميع الطائرات التي تحلق فوق المنطقة بالتعريف عن هويتها، الخطوة التي من شأنها أن تُفسّر من قبل العديد من الدول على أنها تهديد. وهذا ما أكده ماثيو كروينيج المحلّل السابق في الاستخبارات المركزية الأمريكية والخبير الاستراتيجي في البنتاغون عندما صرح “لقد قال لي الأصدقاء الصينيون بكل وضوح بأنه إذا استمرت الولايات المتحدة الأمريكية في التوغل في مياه بحر الصين الجنوبي والتحليق بطائراتها فوقه، فإن الصين ستقوم بإسقاط هذه الطائرات على اعتبار أنها معادية”، ولكن ماذا لو قامت الصين فعلاً بإسقاط الطائرات الأمريكية؟!، بالتأكيد سيكون هذا سيناريو جاهز للتصعيد وإشعال فتيل الحرب التي لن يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو غيره قادراً على توقع نتائجها، وعلى الأكيد ستكون الأمور خارج السيطرة، بيد أن القادة العسكريين عبروا عن تصميمهم على تجنب حدوث ذلك، فقد صرح الأدميرال فيل ديفيدسون رئيس القيادة الأمريكية لمنطقة المحيط الهندي والمحيط الهادي لصحيفة “بوليتيكو” بأنه حريص على فتح حوار جيد مع نظرائه الصينيين، مشدداً على أن العلاقة بين العسكريين مهمة للغاية، وقال إنه لم يقابل رئيس الدفاع أو وزير الدفاع في الصين وأنه يأمل بزيارته في مطلع العام القادم، كما قال الجنرال مارين جو دانفورد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة إن توطيد العلاقات بين القوات العسكرية للبلدين عبر فتح قنوات التواصل والحوار هي إحدى أولوياته، وذلك في ظل التوتر المتصاعد بين واشنطن وبكين حول الكثير من القضايا، أبرزها قضية التجارة والبرنامج النووي لكوريا الديمقراطية، حيث صرح في مؤتمر أمني عقد مؤخراً في كندا “بأن المنافسة قد لا تؤدي بالضرورة إلى الصراع” لذلك تحاول الولايات المتحدة الأمريكية من جهتها إرسال رسالة موجهة إلى القادة الصينيين عن طريق إرسال عدد متزايد من الدوريات العسكرية إلى المياه المتنازع عليها، وفقاً لما قاله دانفورد في مقابلة أجرها مع بوليتيكو، ليتابع القول “إن ما نقوم به هو الحفاظ على مبدأ الوصول المفتوح إلى المشاعات العالمية، وأن الدول التي تنتهك القواعد والمعايير والقانون الدولي يجب أن تعلم بأنه يتوجب عليها أن تدفع ثمناً باهظاً جزاء أفعالها”. وبالمثل شدّد القادة في بكين على أنهم لن يتراجعوا عن توسعهم العسكري في بحر الصين الجنوبي الذي يمتاز بامتداده الشاسع إلى ما يزيد عن 1,3 مليون ميل مربع مع تجارة تُقدّر قيمتها بمئات ملايين الدولارات، وتشمل هذه المياه سلسلة جزر سبراتلي التي بدأت الصين ببناء جزر اصطناعية على شعابها المرجانية خلال الفترة الثانية لإدارة أوباما.
لقد دفعت الاستفزازات الأمريكية الصين إلى المطالبة بأحقيتها بامتلاك مياه بحر الصين الجنوبي، حيث قامت بنشر صواريخ أرض جو وغيرها من الأسلحة والمعدات، كما قامت ببناء ما لا يقل عن أربعة مهابط طائرات مخصّصة للطائرات العسكرية في جزيرة وودي وفي الشعاب المرجانية في الأرخبيل المعروف باسم فيري كروس ومستشيف وسوبي، وقد أكدت الصين على ذلك في قمة الدفاع التي عُقدت في شانغريلا في سنغافورة، وقالت مصادر عسكرية صينية لم يصرح عنها إن القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي وقوة الدعم الاستراتيجي وضعتا أنظمة رادار متطورة في بحر الصين الجنوبي رداً على ما تقوم به الولايات المتحدة من استفزازات وقيامها بشكلٍ مستمر بإرسال طائرات تجسّس للقيام بأنشطة الاستطلاع القريبة فوق المياه الإقليمية للصين في بحر الصين الجنوبي، لذلك كان من الضروري نشر نظام رادار متطور على الجزر الاصطناعية لاستكشاف الطائرات الأمريكية، والذي اعتبره
“هي لي” قائد الوفد العسكري الصيني إلى حوار شانغريلا حقاً سيادياً للصين عندما قال “إن نشر القوات والأسلحة على الجزر في بحر الصين الجنوبي هو حق سيادي للصين يسمح فيه القانون الدولي”. وفي الوقت الذي أدانت فيه الولايات المتحدة ودول أخرى هذا التوسع على اعتباره انتهاكاً للقانون الدولي، تخلى كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين في الآونة الأخيرة عن لغتهم الدبلوماسية المعتادة، وقام وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس بإلغاء دعوة الصين للمشاركة في مناورات عسكرية سنوية هذا الخريف، ثم ألغى رحلة إلى بكين كانت مقررة في تشرين الأول، كما أعرب ديفيدسون القائد الأعلى للقوات الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ مؤخراً عن قلقه بشأن الصواريخ المضادة للسفن وأجهزة التشويش الإلكترونية وصواريخ الأرض- جو التي يتمّ نشرها في بحر الصين الجنوبي، وأضاف ديفيدسون “إن ما كان حائطاً كبيراً من الرمال قبل ثلاث سنوات فقط تحول اليوم إلى جدارٍ ضخمٍ لصواريخ سام المنتشرة في بحر الصين الجنوبي، مما يمنح جمهورية الصين الشعبية القدرة على ممارسة سيادتها الوطنية على المياه الإقليمية في بحر الصين الجنوبي”.
كانت ردة فعل الولايات المتحدة أن قامت هي وحلفاؤها بإطلاق عمليات “حرية الملاحة” في المنطقة، ففي أيلول حلّقت أزواج من القاذفات فوق المنطقة المتنازع عليها فوق بحر الصين الجنوبي وزوجٌ آخر من طراز B-52 التابعة للقوات الجوية الأمريكية فوق بحر الصين الشرقي، وبعد أسبوع دخلت المدمرة “يواس اس ديكاتور” على بعد 12 ميلاً بحرياً من اثنين من الشعاب المتنازع عليها، مما دفع الصين إلى الرد بمناورات مماثلة بواسطة مدمرة صينية وصفها البنتاغون بغير الآمنة وغير الفعالة، وقد كانت أستراليا واليابان وفرنسا وكندا ونيوزيلندا من بين المشاركين في هذه المناورات.
إن ما يدفع الصين للمطالبة بحقها في السيادة على الجزر التي تقع في بحر الصين الجنوبي هو في المقام الأول عائدٌ إلى رغبتها في دفع أسطول البحرية الأمريكية خارج المنطقة بشكل كامل لتستطيع فتح المجال أمام غواصاتها للتواجد في المحيط الهادئ من دون أن يتمّ تعقبها من قبل دوريات الاستكشاف الأمريكية، والعمل على إبقاء هذه الدوريات عند الخليج دون التوغل إلى داخل البحر مما يجعلها غير قادرة على جمع المعلومات الاستخباراتية في منطقة بحر الصين الجنوبي، بمعنى آخر ترغب الصين في استخدام إستراتيجية شبيهة بتلك التي تمّ استخدامها من قبل الاتحاد السوفييتي في فترة الحرب الباردة عرفت بإستراتيجية “التحصين”، هذه الإستراتيجية ستجعل من بحر الصين الجنوبي حصناً منيعاً تتحصن فيه الصين لتكون قادرة على التحرك والمناورة بحريةٍ بعيداً عن المراقبة الأمريكية ولتؤمن الحماية لغواصاتها الموجودة في بحر الصين الجنوبي، فإذا امتلكت الصين هذا البحر ستنتهي الهيمنة الأمريكية على المحيط الهادئ.